الأخضر بن يوسف ومختاراته
العدد 265 | 30 حزيران 2021
من شعر سعدي يوسف


 

من “الأخضر بن يوسف ومشاغله”

 

سيدة النهر

 

توهمتُ إنكِ زاويتي، والمدارُ الذي يقفُ النجمُ فيهِ

توهمتُ نخلَ السماوةِ، نخلَ السماواتِ

حتى حسبتُكِ عاشقةً،

              فانتظرتُ النهارَ الذي يطلُعُ النجمُ فيهِ

توهمتُ

أوهمتُ

لكن أرضيّةَ الوهمِ يغسلُها ضابطٌ ملكيٌّ تَلَبَّسَ عينيكِ

سيدةَ النهرِ!

هم يعشقونَ، ولا يملكونْ

ولكنهم حينما تغرقينْ

يمدّون كلَّ الخيوط التي قطّعتْها احتراقاتُهم

إن كلَّ الزنابقِ في الماءِ لم تنتظرْ مثل َ عرسِكِ

طافيةٌ أنتِ

بين الخيوطِ التي قُطّعتْ، وانتظار المدارْ

 

بغداد 11/5/1972

 

 

الأخضر بن يوسف ومشاغله

 

نبيٌّ يقاسمني شقّتي

يسكن الغرفةَ المستطيله

وكلَّ صباحٍ يشاركني قهوتي والحليبَ، وسرَّ الليالي الطويله

وحين يجالسني،

               وهو يبحث عن موضعِ الكوبِ في المائدهْ

_ وكانت فرنسية من زجاجٍ ومعدِنْ _

أرى حولَ عينيهِ دائرتينِ من الزرقةِ الكامده

وكانت ملابسنا في الخزانةِ واحدةً:

كان يلبسُ يوماً قميصي

وألبس يوماً قميصه

ولكنه حين يحتدُّ…

            يرفضُ أن يرتدي غيرَ بُرنُسهِ الصوفِ…

يرفضني دفعةً واحدةْ

ويدخلُ كلَّ المزارعِ:

يحرثُ

أو يشتري سكّراً

أو يقولُ العلامةْ

ولما التقينا على حافةِ البارِ

أخرج من جيبه زهرةً، وانحنى

هامساً: إنها لي… أتيت بها

عبْرَ أسوارِ “وَجدَةَ” حيث الحدود

التي ما تزال معاركَ… لكنها

_ يقدّمُ لي زهرةَ الآس _ ملْكٌ

لكَ الآنَ… افعل بها ما تشاءُ

سوى أن أراها بجيبكَ ذابلةً…

آهِ؛ وجدةُ، وجدةُ… إن طريقَ “الصخيراتِ”

يغلقه الحرسُ الملكيُّ… أتيتُ بها

من هناكَ، وخبّأتها بين جلدي وأحذيةِ

الحرسِ الملكيّ التي أثقلتْها المساميرُ

_ يكشف لي صدرَه مسرعاً، ثم

يُغمضُ عينيه _ وجدةُ… وجدةُ…

كيف تكونين لو جئتِ عندي!

يرافقني في زيارة محبوبتي…

           ثم يدخل قبلي

يقبّلها في الجبينْ

وينظر في مقلتيها طويلاً، ويجلسُ في آخرِ الحجرةِ المعتمهْ

وإذ أرسُمُ الرغبةَ المبهمهْ

وسائدَ، أو منزلاً

يرسمُ الرغبةَ المفعمهْ

نسوراً – طباشير، فوق الجدار الذي يحمل النافذهْ

ويدنو…

ليأخذَ كفَّ الفتاةِ (أنا جالسٌ لِصْقَها)

ثم يمضي بها خارجَ الحجرة ِ المعتمهْ

على باب سبتةَ كان رجالُ الجوازاتِ خلفَ مكاتبهم

يحتسون النبيذ الرديء

وفي البعدِ…

حيث المدينةُ في ليلة العيدِ

تخترق الشهبُ الاصطناعيةُ الأفقَ المتلبدَ

          كانت تضيءُ

               تضيءُ

               تضيءُ

وظل رجالُ الجوازات خلفَ مكاتبهمْ

يعلكون النبيذَ الرديءْ

تتبّعتُهُ، خجلاً، ما يزالُ الذراعانِ معتنقينِ،

انتظرتُ قليلاً أمام التقاطعِ، كانت

فتاتي تشير إلى واجهاتِ المخازن ضاحكةً…

كان يسخر منها، مشيراً إلى الشجرِ المتطاولِ

في مدخل المسبحِ البلديّ… استدارا،

فأسرعتُ خطوي وراءهما… ها هما

يدخلان الحديقةَ: هل تبصرينَ الغصونَ الصغيرةَ؟

هل تلمسينَ بها الخضرةَ البِكرَ؟ هل تسمعينَ

بها النبضَ مندفعاً؟ قرّبي ذلك الغصنَ

منكِ… اجعليه لصيقَ ذراعِكِ… كوني

له نُسْغَهُ، وليكن في ذراعيكِ منهُ

ارتسامُ الوريقاتِ… حريةُ الطفلِ حينَ

يلامسُ أهدابهُ في المرايا.

وقبّلَ زندَ الفتاةْ!

سأستخدمُ اسمَكَ…

               معذرةً

                   ثم وجهَكَ…

أنت ترى أن وجهكَ في الصفحة الثانيةْ

قناعٌ لوجهي

وأنت ترى أنني أرتدي الربطةَ القانيةْ

أتذْكُرها؟

       يوم كنا معاً في “الحسيمَةِ”

               حيث اهتدينا إليها

ويومَ قصدتَ المصوَّرَ، قبلَ جوازِ السفرْ

وقبلَ السفرْ

وقد كنتُ ألححتُ أن ترتديها

رجالُ الجوازاتِ خلفَ مكاتبهم

يعلكونَ النبيذَ الرديءُ

وكان جوازُ السفرْ

يُطالعهم، واحداً، واحداً…

           بين أختامهم والنبيذِ الرديءْ

 

بغداد، 25/5/1972

 

 

 

من “ايروتيكا”

 

 

عانة 1

 

أحبُّ هذا العشبَ

هذي الشقرةَ… المخملَ إذ أَفْرُقُه خيطاً فخيطاً

وأشمُّ البُنَّ فيهِ

أوّلَ العنقودِ

والقنَّبَ منقوعاً، ووردَ اللحمِ، فيهِ

عندما أُسند رأسي بين ساقيكِ

يكون العشبُ لي مستنَد الكونِ،

وإذ يبلغه غصني

يدور الغصنُ في العشبِ…

طريُّ عشبُكِ الآنَ:

التماعُ البَرَدِ

الزئبقِ

والمنبعِ، فيه…

 

15/7/1994

 

 

عانة 2

 

مرجٌ أسودُ

سهبٌ مترامي الأطراف

النبعُ به خافٍ

والدلو يخاف.

مرجٌ أسودُ

والدنيا بيضاءُ…

السّرَّةُ خافيةٌ، زرُّ أرهفُ

والمرمرُ ملتمعٌ

ووسادتها تحت الردفين ضفاف…

…………………………

…………………………

…………………………

سأحاول أن أتلمسَ في العتمةِ

بيتَ الأصداف.

 

15/7/1994

 

 

عانة 3

 

قبل عشرين دقيقة

غادرتْ حمّامها التركيَّ

كانت ترتبي، كامنةً، ثمتَ

حتى صاغها الحمّامُ

ملساءَ

كأنّ الزغب استقطر لون الزبدةِ…

الكوثرُ

رطبٌ

ناعمٌ

تزلق فيه راحتي…

منفرجاً كان

وبين الضفة الملساء، والأخرى

سماءٌ سلسبيل

هكذا

يَبْرُقُ، في الليل، السبيلْ.

 

16/7/1994

 

ثالوث

 

 المسدس تحت الوسادة

حين دخلتِ الغرفةَ البحرية

شفيفة الثوبِ

متضوِّعةً

وشَعركِ مروحةُ كُحلٍ وياسمين

كانت عيناك تطرُفان…

المسدس تحت الوسادة.

 

الموجة تندفع

والفراش تتطاير أوراقه كالريش

الشرشف

والأثواب

والوسادة.

 

الآن،

نحن ثلاثة في صراحة العري:

أنتِ

أنا

والمسدس.

 

21/7/1994

 

من “قصائد ساذجة”:

 

إلى محمود درويش

 

ليس الخيبةُ أن تشعر بالخيبةِ.

فالنهر – كما تعرف – لا يعني طريق المأدُبَةْ

إنما الخيبةُ في أن ينشف النهرُ

فيمسي مَسْرباً للعربةْ.

**

نحن مُذ جئنا إلى الكونِ

أردنا صورةً أخرى

وقُلنا: الناسُ أطفالٌ

وفينا لثغة الطفلِ

فما أقربَ هذا الوردَ…

ما أقرب تلك الوجنةَ الملتهبةْ!

**

باليد اليسرى تساءلنا.

وباليمنى مضينا نكشف الرملَ عن الماءِ

فهل كان سراباً ما كشفناه

وهل كنا ضحايا التجربْة؟

ربما لاحت لنا في غشية التهليل، إيثاكا

فصدَّقنا بما أنشدَنا الإغريقُ

لكنك تدري أيَّ ميناءٍ بلغناهُ

وأيَّ الشجراتِ ارتسمتْ في العقبةْ!

 

 

من “يوميات أسير القلعة”

 

 

حيدر ينام

 

كالمستريح إلى النعاس دقيقتينِ

ينامُ حيدرُ…

حولَه الأزهارُ، والشمعُ الطويلُ

وضجَّةُ الناس الذين يغمغمون

ويلعبونَ، لأجلهِ، وَرَقاً… (هي الفلبينُ)

حيدرُ مغمضُ العينين

في شفتيهِ شيءٌ مثلُ شكوى، مثلُ لونٍ للملامةِ؛

كان حيدرُ ناعمَ الخدَّينِ

نظيفاً

لامعاً

مترقرقَ النُّعمى كعادتهِ،

وكان ينامُ…

………………..

………………..

………………..

يا ولدي

قطعُ الكونَ

أسبِقُ شمسَهُ لأراكَ…

يا ولدي،

تفارقني كعهدك؟

خَلِّني ألمس يديك

وخلِّني أخبركَ عن وجَعي

ما صنعتْ بي الدُّنيا…

لمن أشكو إذا لم أشْكُ عندكَ؟

هكذا انقطعت بنا الدنيا. إذاً!

أرجوكَ…

يا ولدي،

افتح ولو لدقيقةٍ عينيكَ!

أبصر، لحظةً، شيبي

وماءَ دمي الذي يَنْهَلُّ من عينيَّ…

أبصِرْني

انتظرْني…

كيف تسبقُني.

وتتركني وحيداً في المفازة؟

………………..

………………..

………………..

يا صغيري نَمْ

تحرَّرْ

طِرْ بعيداً

واسترحْ من رحلةِ العبثِ الطويلةِ…

نَمْ

ودَعْني في الجحيم!

 

عمّان، 3/8/1999

 

 

من “قصائد العاصمة القديمة”

 

القصيدة الأولى

 

سأختضُّ

في هذه الغُرُفات التي في متاهات لندنَ أيضاً…

أهذي هي الغُرُفاتُ الأخيراتُ

أمْ هنّ مصطبةٌ عند باب المعسكرِ؟

أم أنها عرباتُ الرحيل؟

أفي بغتةٍ سوف تنزلقُ العجلاتُ

لتمضي بها نحو سهبٍ

 بلا عشبةٍ؟

نحو عشبٍ بلا تربةٍ؟

نحو قبرٍ بلا زائرٍ أو زهور؟

تُرى، كيف نسكنُ في الغرفاتِ التي

لم نُبارك مصاريع أبوابها

بدمِ الديكِ؟

بالريشِ منتثراً

والأكفِّ الصبيغاتِ؟

كيف السلامُ على الجنِّ فيها،

على ساكني سدرة الحوشِ

والحيّةِ الجارةِ…

النحلِ والنملِ وهو يشيّدُ مملكةَ الله فيها؟

………………..

………………..

………………..

سماءٌ لها زرقةُ البحرِ في عدنٍ…

كيف جاءت تقبّلُ عينيَّ هذا الصباح؟

………………..

………………..

………………..

إذاً،

سوف أفتحُ مغلاقَ نافذتي

للشميم الذي قد يجيءُ…

سأفتحُ نافذةً

 

ثم نافذةً

ثم نافذةً…

كي أهدهدَ، في العمقِ، مسرى الرياح

وفي العمقِ، أعمقَ، مجرى الجحيم…

 

26/11/1999

 

القصيدة الثانية

 

للمساكين في لندنَ، الليلُ. لترٌ من البيرة المكفهرةِ، أسودُ.

والباصُ أحمرُ. والخدُّ يبتلُّ فوق الوسادةِ. لن يهطلَ المطرُ…

الماء يسكنُ حتى الهواءَ… أَفِقْ! أنتَ لن تبصرَ القطراتِ الثخينةَ

ترسمُ أشجارَها وألاعيبَها في زجاج النوافذِ، لن تسمعَ الماءَ صلصلةً

أو نشيجاً. بلادُ المغنِّي الذي لا يغنِّي. سماءُ الغراب.

*

والبيوتُ الجنودُ، البيوتُ الطوابيرُ، حيثُ الحدائقُ في الخلف،

والقطُّ، والكلبةُ، الورقُ المتشبعُ بالماء حتى يخيسَ. الموائدُ

والخشبُ المحضُ، والأرض تنضحُ… في أي بيتٍ، وفي أي

زاويةٍ منه، في أي مهوىً، سأتركُ أنفاسَ جَدِّي تغيض بلا رجعة،

نفساً، نفساً؟

غنِّ لي يا زمانَ الصبا، غنِّ لي يا غراب.

في المفازات، أو عند مستودعات الخمور، وبين الفواكه

هنديةً، تقفُ الشمس. نحن، الملائكةَ الخاطئينَ _ سنُطرَدُ نحو

ظلام الظهيرةِ، ليس لدينا سوى حمل أكياسنا في مفازات لندنَ.

فلتسمحي ليَ، أرجوكِ.. لا تتركيني وحيداً مع الكيس. ثمت ما

أستريح له غير هذي النهاية. قد يذهب الباصُ بي نحو بغدادَ،

حيث الغراب.

*

للعراق، الرمالُ لا تغنِّي. العماديّةُ ارتفعتْ في الهواء.

عموديةً. والجنودُ ينامون تحت صفيح السقيفةِ. كم خلعوا،

كخواتمهم، كلَّ أصحابهم. كم تغيبُ السماءُ هنا مثل ما غابت

الأرض عني هناك… المنازلُ قد تمَّحي.

الطفل يرسمُ في الحلم كرّاسةً،

وأنا سوف أرسمُ طفلاً بكرّاستي.

أنا منذ الظهير أرسُمُ…

أين الطيورُ التي سوف تنقرُ عينيَّ؟

أين الغراب؟

29/11 1999

 

 

من “حفيد امرئ القيس”

 

الرسالة الأخيرة من الأخضر بن يوسف

 

عزيزي: أنا الآنَ لا أتردَّدُ في أن أُحَـيِّـــــــــــيكَ. (في أنْ أُصَـبِّحَ يومَكَ بالخيرِ)

 مَـرَّ زمانٌ عـلينا، ولم نَلْتـقِ. الصبحَ فـكّرتُ … قلتُ البــــــــــريدُ الـذي

كان منقطعــاً في الحــروبِ، وفي مَـهْـمَــهِ الثورةِ المستـحيلة، قد بـدأَ. الأصــدقاءُ

الذين غـدَوا جُزُراً في محيطٍ من الـمـعدِنِ الذائــبِ الـــتفتوا، فجأةً، نحو أنـفُـسِهِـم

واستراحوا على فحمةِ الليلِ كي يكتبوا. هل يقولون شيئاً؟ أتحسَــبهم قائلينَ؟ انتظرتُ، فـلـم

أسْــتَـرِقْ نأْمةً. واســتَرَقتُ، فلم أعـتَـبِــرْ نَـغْمـةً. حِـيْـنَها، وأُصارِحُكَ القولَ

فـكّــرْتُ فيكَ …السلامُ عليكَ! السلامُ على دارةٍ أنتَ فيها! السلامُ على حَـيرةٍ أنتَ فيها!

أتعرفُ أنيَ طوَّفتُ أبعدَ ممّـا تظنُّ؟ لقد كنتَ تسْــخَـرُ بي، كنتَ تحسَـبُني وادِعاً أوجـباناً.

أتذكرُ؟ يومَ انبطَـحْـنا على رملِ ساحلِ “أَبْـيَـنَ” ظلَّ الرصاصُ يَـئِـزُّ. ولم أرتجِفْ …

وفي صيفِ بيروتَ، صيفِ الضواحي، تطلَّعتُ في الموقعِ الـمتـقدِّمِ. كانت على مـدخلِ الـحَيّ

دبّــابةٌ. كانت الطائراتُ الـمُـغِــيراتُ تُـلقـي صواريخَـها. غيرَ أنكَ كنتَ الدِينامِيتَ في

عُـلْـبةِ الخشبِ. اليومَ حاولتُ أنْ أتَـبَـيَّـنَ ما كنتَ تكـنِـزُهُ آنذاكَ … تُرى، كنتَ تأمُـلُ

في أن ترى الـمَوجتَـينِ وقد غَــدَتا موجةً؟

ربَّــما!

لستُ أدري…

 وها أنتذا تتلقّى الرسالةَ

ها أنتذا تتقرّى الرسالةَ

ها أنتذا، آ…

وها أنذا…

………………………

………………………

………………………

 نضربُ الصّــنجَ، ثانيةً، في العــراءْ.

 

لندن 27/5/2005

 

 

من “ديوان الأنهار الثلاثة”

 

 

رسومُ حلَب

 

                                     (1)

المعرّة

كلّما جئتُها، زرتُ شيخي الـمَعَرِّيَّ، أحملُ أوزارَ عُمْري

فأُلقي بها في محيطِ الضريحِ،

وأَلْقى، هناكَ، الشميمَ الذي كنتُ أستافُهُ من بعيدٍ…

لقد كان “هادي” يُلَمْلِمُ ما قد تَناثَرَ من أُمّــــةٍ،

كان “هادي” يُجاوِرُ شيخَ الـمعرّةِ

واليومَ، لم يَبْقَ من شاخصٍ للمعرةِ غير الـمَعَرّيِّ…

مَن كان جاراً… ثوى بـدمشقَ؛

بـ “مقبرة الغُرَباءِ”.

المعرّةُ بِنتُ المعرّيّ

هذا الذي ما جَنى…

—————

* هادي، هو هادي العلويّ، الثوريّ المفكِّرُ.

 

                               (2)

قلعةُ سِمعان

 

السماءُ الخفيضةُ كانت مُعَلَّقةً بغيومٍ رمادٍ

وكان الشجرْ

يترقرقُ…

كانت غصونُ الشجرْ

مثل أوراقِهِ، تترجّحُ تحت نسيمٍ خفيفٍ،

وكان الحَجرْ

وهو يُنْبِتُ أعمدةً من غيابٍ

وأروقةً…

يترقرَقُ.

ثمّتَ منحدَرٌ تتبيّنُ منه الجبالَ التي كان يسكنُها التُّرْكُ.

في بَغتةٍ… تتعالى التهاليلُ؛

سِمعانُ

سِمعانُ

سِمعانُ

هل تسمعُ الناسَ؟

هل تسمعُ اللهَ؟

سِمْعانُ

سِمعانُ

سِمعان…

 

(3 )

خيّاطُ المطران

 

مطرانُ حلبْ

كان له خيّاطٌ في السوقِ

وكان لخيّاطِ المطرانِ صديقٌ من طائفةِ الأرمنِ

كان طبيباً…

آنَ ضُحىً أقنعَني أن ندخلَ في السوقِ

وأن ندخل في دكّانِ الخيّاطِ:

سيُلْبِسُكَ الخيّاطُ قميصاً كان سيلبسُه المطرانُ غداً…

أنت، اليومَ ستدفعُ

أمّا المطرانُ فقد لا يدفعُ حتى يومِ الدِّين!

*

أنا، حتى الآن، لَدَيَّ قميصُ حريرٍ، أسوَدُ

كان سيلبسُهُ مَطرانُ حلب ْ…

 

(4 )

 

نادي نقابات العمّال

 

تَدخلُ في النادي، مرتبكاً…

تتساءلُ: هل هذا النادي للعمّالِ؟

لكنّ النادي للعمّالِ

وتقرأُ فوق البابِ المفتوحِ، وإنْ كان حديداً:

نادي نقابات العمّال

إذاً!

في النادي تجلسُ عند البرْكةِ،

تشربُ كأساً من “عَرَقِ البطّةِ”…

ثَمَّ مآكلُ قد لا تأكلُها حتى في ” فندق بارون”.

ولكنك بعد الكأسِ

سيأتيكَ سؤالُ الرأسِ:

تُرى… أين العمّال؟

 

( 5 )

القلعة

 

لم تكن مغرَماً بالقلاعِ…

وفي أيّ أرضٍ حللْتَ رأيتَ القلاعَ محاصَرةً؛

لا تَقُلْ: حلَبٌ!

كلُّ تلكَ القلاعِ، ومن بينِها، حلَبٌ…

أقلَعَتْ!

قد نُغَنِّي بها

قد نُغَنِّي لَها

قد ننامُ على مُخْمَلٍ من وسائدِها،

لِنُفِيقَ وقد مسَّنا الضُّرُّ

والقهرُ…

هذا زمانٌ تُدَوِّنُهُ الطائراتُ الـمُغِيرةُ،

هذا زمانُ الطُّغاة…

 

لندن 15.01.2015

 

 

إصرارٌ

 

وَلِيٌّ

لِمَنْ لا ولِيَّ لهُ…

أنا.

في غابةٍ من برابرةٍ

وشيوخٍ

ومُغتصِبينَ…

انتبهتُ؛

فقرّرْتُ أني أميرٌ على كلِّ ما أهمَلَ اللهُ،

أو كلِّ مَن أهملَ اللهُ:

أني ولِيٌّ لِمَنْ لا وَلِيَّ لهُ.

سوف أفتحُ دَسْكرةً للمَظالِمِ…

يَحرسُها الطيرُ

والفقراءُ.

الذئابُ الفتيّةُ، تلك التي استأنسَتْني ستأوي إلَيَّ

وتحرسُني…

والغزالُ المبارَكُ يأتي

ليحرسَني،

والسناجبُ تأتي لتسكنَ بوّابتي…

فلْتجيئوا إليّ!

أقِيموا، لَدَيَّ…

لكي نرِثَ الأرضَ.

إني وَلِيٌّ

لِمَنْ لا ولِيَّ لهُ…

 

لندن  5/12/2014