مراحل كتابة السيناريو | قيس الزبيدي
العدد 148 | 24 آذار 2014
قيس الزبيدي


“كما يمتلك  الكاتب المسرحي “فن المسرح”، على كاتب السيناريو أن يتعلم امتلاك “فن السينما”.

هناك سرد أدبي وسرد سينمائي، كلاهما يروي لكن بوسائل مختلفة، مع أن كاتب السيناريو يمتلك وسائل سردية أقل بكثير من الوسائل التي يمتلكها مؤلف الأعمال الأدبية، لكنه يمتلك في الوقت نفسه وسائل سردية سينمائية لا يمتلكها المؤلف الأدبي.

إن الهدف الأول الأساس من عملية كتابة السيناريو الأدبي هو انجاز الحكاية والفعل الدرامي والحبكة للفيلم، والهدف الثاني الأساس أيضا تصوير الفيلم. ولا يجوز أن يُخلط الهدفان أحدهما بالآخر لأن خلطهما يسبب مشاكل جمة عديمة الفائدة.  كما أن وظيفة كاتب السيناريو الأدبي هي ليست في وصف كل شيء،  إنما  عليه في الغالب أن يصف كل ما هو اساسي.

تمر طرق كتابة السيناريو بمراحل عديدة تساعد على تجزئة سليمة للوصول إلى السيناريو الأدبي. ونحاول هنا أن نسمي هذه المراحل وتوضيحها وأن نعرض للطريقة التي يفهم بوساطتها كيفية العمل على بنية السيناريو، التي تخضع إلى عملية درامية عضوية. ويبدو من الطريف أن نستشهد بقول لكاتب سيناريو بارز هو بين هيشت، الذي برى أن سر المؤلف الدرامي سهل: كلبان وعظمة، وهي معادلة تقود آليا إلى الصراع، فالاستئثار بالعظمة هو هدف الكلبين، الذي ينهي الصراع.

 

كتابة السيناريو الأدبي يمكن ان تسمى كتابة ما قبل الفِلمي، وتعني وصف  وتبيان وتكوين كل ما هو موضوع أمام الكاميرا والميكروفون، وتنظيم الإيقاع المرحلي العام للفيلم، ووصف استراتيجية كل ما يُرى وُيسمع للعملية الثانية التي هي كتابة “الديكوباج” الفيلمية وتعني عمل الكاميرا والميكروفون لتسجيل مجمل تكوين الصور/ اللقطات/المشاهد وتسجيل الأصوات. ولا شك أن العمليتين متكاملتان تحدد  فيهما الكتابة المسبقة ما قبل الفيلمية معادل الشكل الفيلمي النهائي. فمهمة المخرج مختلفة لأن الكاتب يفكر بأفكار تصف حكاية كاملة من أجل السينما، والمخرج يحوّل الحكاية إلى فيلم سينمائي يعرض على الشاشة.

الحكاية لا تفرض شيئاً على كاتب السيناريو بل يفرض عليه معناها الذي حدده في موجز/ الحكاية، والمهم إن ما يصنع الفيلم الجيد ليست الحكاية فقط بل ما يصنعه هو الكيفية التي تروى بها الحكاية.

ونذكر المراحل على الشكل التالي:

 

1. الفكرة الفنية/المادة الفنية

2. الموجز / الحكاية

3. المعالجة

4. السيناريو الأدبي

5. الديكوباج: وهي مرحلة الكتابة الثانية التي يقوم بها مخرج الفيلم.

 

 

1. الفكرة الفنية/المادة الفنية

بداية نحتاج إلى فكرة، لأن الفكرة هي مضمون الفيلم الذهني والمادة مضمونه الموضوعي، ويشكل كلّ من الفكرة الفنية والمادة الفنية أساس الفيلم، ويرتبط أحدهما بالآخر. وعلى من سيكتب نص الفيلم أن يرافق الفكرة وألا يفقدها، ويمضي من خلالها إلى السيناريو، مثل الدودة التي تصبح فراشة، وتسعى إلى التجسّد وتتضمن فعلا وديناميكية وطاقة قادرة على إثارة وتحريك ميكانيكية الحكاية حتى النهاية. وإن كان لا يمكن التعبير عن الفكرة بشكل بسيط وديناميكي فإنها ستكون غير جيدة. وسبق لفيلسوف أن قال “أفضل شيء نعرفه هو ما نريد قوله عندئذ ستدفق الكلمات”.

نحتاج إذن الى فكرة تلخص في بضعة جمل حول ما نريد ان نكتب:

1. “يقع الخطيب  الشاب في يوم عرسه في غرام امرأة أخرى”.

2. “رجل تسرق دراجته ويحاول بدوره أن يسرق أخرى، لأنه يحتاجها في الحفاظ على عمله”.

3. عزلة  الانسان في وسط  اجتماعي تؤدي به الى الجنون.

بعد حصولنا على الفكرة نستطيع الاقتراب من مرحلة تطور السيناريو أي بدءا من انبثاق الفكرة الدرامية إلى النص المُنجز.

الفكرة هي نواة الحكاية، ويتم إرجاع الفكرة إلى الشخصية الرئيسة وحكايتها، ويتم التعبير أولاً عن الحكاية وفق الدرجة التي يمكن تكثيفها باقتضاب، بما يبين وصف الشخصية وفعلها. لأنه بدون حكاية، تنمو وتتكامل، لا يمكن الحديث عن فيلم. كما أن تلخيص الحكاية، يفترض تصورها بكليتها وبوضوح كامل وبتفاصيل أساسية: بداية وسيرورة وخاتمة.

 

(يتبع …)


مخرج ومصوّر وباحث سينمائي. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن""، و""فلسطين سجل شعب""، و""شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب""، و""وطن الأسلاك الشائكة"". وقدّم روائياً ""الزيارة"" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و""اليازرلي"" 1974 فيلم روائي تجريبي طويل عانى من لعنة الرقابة أينما عرض. من كتبه: ""فلسطين في السينما""، و""المرئي والمسموع في السينما""، و""مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم""، و""مونوغرافيات في الثقافة السينمائية""."