الصوت في حقل الاشياء المرئية و اللا مرئية
العدد 168 | 09 آذار 2015
قيس الزبيدي


يضع المونتاج بين الصورة والصوت في الفيلم مصاعب كبيرة، فالصوت مستمر والصورة متقطعة، ويمكن للصوت أن يجعلنا ندرك ارتباط صور منفصلة لمشهد واحد باستخدام صوت مستمر. ويمكن، بالتالي، خلق استمرارية متجانسة لا وجود لها في الصور نفسها. المهم ألا نكون حبيسي الصوت، فالسمع يتيح إدراك عدة أصوات في وقت واحد لكن الأذن تتمتع أكثر من العين بخاصية الانتقاء، ونحن لا نسمع سوى الأصوات التي ننتبه إليها والتي تعنينا وتهمنا. غير إن علاقة تزامن الصوت والصورة تتخذ أشكالا مختلفة تكامل وتناقض وتقوية وطِباق ومفارقة ومصاحبة خلفية.

وكانت المشكلة تبدأ من استعمال الصوت من داخل صورة المشهد Diegetic sound أو من خارج صورة المشهد Nondiegetic sound أي اذا كنا نرى مصدر الصوت Synchronous   من داخل الصورة: اي من حقل الأشياء المرئية أو لانرى مصدر الصوت  Nnonsynchronous أي نسمعه من حقل الأشياء اللا مرئية. ويرتبط حقل السماع عند المشاهد بمحدودية حقل الرؤية، غير أنه يتسع عنده ويحرك تصوره. فنحن لا نشاهد ما يظهر على الشاشة بعيوننا فقط، إنما نتصور أكثر مما نشاهد. لأن ما نستطيع سماعه، لا يكون مصدره فقط ما نراه، إنما أيضاً ما يمكن أن يكون مصدره غير مرئيِّا.  وهي طريقة Hors-champ بالفرنسي hors de cadre (خارج الاطار خارج اللقطة ومعنى المصطلح هو كل صوت تسمعه الأذن أكان حواراً أو مؤثراً أو موسيقا لا تجد العين مصدره في الصورة المرئية.

والصوت (الموسيقى مثلاً) على مستويين أو سطحين: الأول أن يكون مصدر الصوت من المستوى السمعي الأول: أي من داخل المشهد. أو من المستوى السمعي الثاني أي يكون مصدر الصوت من خارج المشهد ولا يشكل جزءاً من الحدث. وتكون لوظيفة السطح السمعي الثاني وظيفة تعقيبية، تكون في الغالب، من تأليف المخرج. بعكس المستوى السمعي الأول، الذي يكون من تأليف كاتب السيناريو لأن له علاقة مباشرة في كل مشهد.

ويمكن لكاتب السيناريو تحديد صوت المستوى السمعي الثاني حينما يلعب الصوت دوراً في خلق علاقة بين مشهدين متتابعين (مشهد1: ليل، أصوات كلاب. مشهد2: عائلة تجلس في بيتها وتسمع أصوات الكلاب – فالصوت هنا يعطي دلالة بأن العائلة تعيش في بيت منعزل).

وتوجد طريقتان للعمل على الوسائل السمعية في كلا السطحين

1- تطابق درامي مع طبيعة الحدث

2- تعارض درامي مع طبيعة الحدث.

لنأخذ على سبيل المثال: موسيقى تصويرية لمشهد، يعرض فيه حوار بين زوجين، توضح للمتفرج، ما يجول في أعماق الزوجين من مشاعر مخالفة لما تقوله الكلمات التي يتبادلانها، لأن الموسيقى تشكل مع الصورة وحدة جدلية قوية من نوع يختلف عن حضورها في بقية الفنون التركيبية.

المطلب الوحيد والقياس الوحيد الذي ينتج منه المغزى الكامل في الموسيقى هو إنجاز وظيفة ما معينة داخل درامية بنية الفيلم الكلية، وينشأ عن ذلك قياس ثان تُحَدد فيه جمالية الكل وظيفة الأسلوب والمعالجة.

الخلاصة

السينما وسيط سمعي – بصري، ورغم أن أولوية التعبير فيه بصرية، إلا أن السمعي، في علاقته بالبصري، له أيضا أهميته الفائقة في التعبير. ومع أن نظرية السينما انصرفت منذ البداية في البحث في البصري، على أساس أنها فرجة، إلى أنها سرعان ما تناولت الأبحاث النظرية علاقة البصري والسمعي، وأعادت أهمية العلاقة إلى البصري، بحيث يحتل السمعي أهميته فقط كعنصر تكميلي في بناء الصورة، وبذلك لم يجر فهم جوهر العلاقة بين البصري والسمعي، على الرغم من أن الممارسة الفيلمية بينّت في أفلام عديدة نوعية علاقة جدلية مُتَميِّزة، أخذت فيها نوعية العنصر السمعي، في حالات قد لا تحصى، دورا أهم في التعبير الفيلمي من البصري أو في موازاته.


مخرج ومصوّر وباحث سينمائي. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن""، و""فلسطين سجل شعب""، و""شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب""، و""وطن الأسلاك الشائكة"". وقدّم روائياً ""الزيارة"" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و""اليازرلي"" 1974 فيلم روائي تجريبي طويل عانى من لعنة الرقابة أينما عرض. من كتبه: ""فلسطين في السينما""، و""المرئي والمسموع في السينما""، و""مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم""، و""مونوغرافيات في الثقافة السينمائية""."