نقاط التحول
العدد 155 | 02 تموز 2014
قيس الزبيدي


في اتصال مع ما سبقها من مقالات في هذه الزاوية يواصل المخرج والمفكر قيس الزبيدي استكمال عناصر بناء السيناريو، وبالتالي فإننا ومع كل حلقة ننشرها هنا نستكمل منهجاً متكاملاً في تعليم كتابة السيناريو:

 ما الذي يربط الفصول الثلاثة؟ وكيف نعرف أن فصلاً انتهى وأن فصلاً ثانياً قد بدأ؟ إنهما نقطتا تحول حاسمتان في الفصول: نقطة حبكة 1 ونقطة حبكة 2،  لكن توجد أيضاً في الحكاية نقاط حبكة كثيرة، فكل مشهد يدفع بالحكاية الى الأمام هو  نقطة حبكة. 

فالحبكة هي البناء السردي الذي تتركب على أساسه الحكاية، وتختلف عنه في سردها، ليس كما جاءت أصلاً،  متتابعة زمنيا، إنما كما يراد لهذه الأحداث أن تتداخل وتتشابك بالعلاقة مع الصراع الدرامي، الذي ينبع من الحبكة، التي تقوم بالتنظيم الشامل لأحداث الحكاية المرتبة في وحدة بنائية مترابطة عضويا. وتكون بالتالي”الكيف” الذي يسرد فيه زمن أحداث الحكاية، بدافع تشويق المشاهد لما سوف يحدث وكيف يحدث. ويحدد نوعية نظام ترتيب الأحداث في نسيج الحكاية طبقاً لقانون السبب والنتيجة، وتحديد بداية العمل الدرامي ومساره ونهايته.

لكن تبقى نقطتا حبكة الأحداث الأساسية هما اللتان تحولان الحدث من الفصل الأول الى الفصل الثاني ومن الثاني الى الفصل الثالث. 

في فيلم من 90 دقيقة يستغرق الفصل الأول حوالي 25 دقيقة و الثاني 45 دقيقة والثالث 20 دقيقة. (في حلقات مسلسل يطول 50 دقيقة يستغرق الفصل الأول حوالي 15 دقيقة والثاني حوالي 25 دقيقة والثالث 10 دقائق) وغالبا ما يكون الفصل الأول أطول قليلاً بينما يكون الثاني أطول بشكل واضح. وهذه الترسيمة مرنة لكن لا يمكن تمديدها بلا حدود. 

ما هي وظيفة الفصل الأول؟

الاستهلال، البداية، التأسيس- ففي الفصل الأول يؤسس الموقف الافتتاحي. لكن كثيراً من المؤلفين يصفون فقط الموقف الافتتاحي هذا بحيث يستغرق الفصل الأول حوالي 25 دقيقة، وهذا وقت طويل جداً لكي نبين فقط الحياة اليومية للبطل.

إن الفصل الأول المصمم جيداً يفتح “قوس الحدث الدامي” أي أن تُرسَم الشخصية ويُكشَف عن هدفها و أزمتها الرئيسية وبهذا يقدم خصمها. فنحن لا نريد أن نعرف فقط من هو البطل الذي يختبر الحكاية إنما أيضا أن نعرف ما هو هدفه ولماذا يريد أن يحقق هدفه وما هي العوائق الصعبة التي عليه أن يتخطاها.

على الخصم أن يكون حاضراً منذ البداية في الفصل الأول وأن يتم التعرف عليه في مجرى الزمن كمنافس للشخصية. ويمكن للخصم أن يبقى إلى نهاية الحكاية خفياً مثلا مرتكب جرائم القتل المسلسلة الذي يطارده مفوض البوليس. فقبل كل شيء تبقى قوة الخصم الخفية فاعلة وتخلق بهذا الصراع الأساسي.

 

نقطة الإثارة

إن نقطة الحدث الأهم في الفصل الأول، وهي التي تسمى “نقطة الإثارة”، أو الحافز أو وقوع الواقعة. فنقطة الإثارة هي كل حادثة تنتزع البطل من وضعه الراهن وتضعه في مركز الحكاية وخضمها. ويخلق في نقطة الإثارة موقف يضطر  البطل لإيجاد حل بشكل حتمي، أي أن على  البطل ألا يتجاهل الموقف أو الأزمة التي يقع فيها. وهكذا تبدأ الأحداث ويبدأ السؤال الدرامي يقود الفيلم كله: هل يحل البطل أزمته أو ينال مطلبه ويستقر في حياته من جديد؟   

من الأفضل الإسراع في تجهيز نقطة الإثارة. وتصح هنا القاعدة التالية: يجب على الأقل تجهيز ذلك في الدقائق العشرة الأولى او في الاثنتي عشرة دقيقة. بداية ينشأ التوتر مع السؤال الدرامي. تذكر: كل ما يأتي قبل نقطة الإثارة ليس بدرامي، فشخصياتك تمارس حياتها  الطبيعية،  وبغض النظر عن كيفية سير الأمور، لكن لا يوجد فيها صراع، لأنه من دون صراع لا توجد دراما. وعلينا ألا نخلط طبعا بين المعاناة والدراما.

نقطة التحول الأولى

نقطة التحول الاولى تشكل الانتقال الى الفصل الثاني. وكقاعدة مألوفة تكتب في حوالي 25 صفحة وكما قيل فان ترسيمة البنية مرنة. لكن حاول أن تروي الحكاية بشكل سريع لأن الجمهور ينتظر من الحكاية أن تتطور.  أما معالم نقطة التحول الأولى فهي: ياخذ الحدث اتجاها آخر ولا يوجد تراجع بعد الآن، فالبطل لا يستطيع ان يترجل من الحكاية وبهذا يتحدد الهدف الدرامي ويأخذ الخصم مكانه المقرر    

الاهم في نقطة التحول الأولى يأتي من أن عليها أن تمثل تحولا في الحدث لا رجعة فيه وأنها تضعنا تماما في قلب القصة.

الفصل الثاني

قبل أن تبدا كتابة السيناريو عليك أن تعرف أي هدف تسير باتجاهه.  في الفصل الثاني يأخذ الحدث الثانوي والحبكة الفرعية الحجم الأكبر وأحياناً حتى أكثر من الحدث الرئيسي. 

علينا هنا ان نؤكد معلماً مهماً يقف في ترسيمة بنية الحدث الفيلمي في وسط الفصل الثاني والذي يسمى Midpoint “نقطة وسط” وهي : 

تقع على مستوى الحدث الرئيس

إنها لحظة راحة أو  نقطة تأمل، يتحول فيها الحدث الرئيس لوقت قصير إلى حالة ركود. 

إنها موقع تلخص فيه الحكاية بشكل مقتضب ويمحص فيها الحدث القادم.

كل ذلك يرن تقنيا. فماذا يعني؟

الأهم أن تعين نقطة الوسط في الفصل الثاني من هيكلة البنية، بما تجعل الشخصيات تنخرط في مشاكل مثيرة كما تنسج حدثاً ثانوياً جميلاً أو حدثين في الحكاية. فالمؤلف يحتاج كالمتفرج لحظة يأخذ فيها لحظة استراحة ويتساءل ما هو مهم في المشكلة الرئيسة وماذا حصل حتى الآن. لهذا فإن مشهد-نقطة الوسط مفيد جداً. 

الفصل الثالث

نقطة التحول الثانية تدفع الحدث في اتجاه جديد غير متوقع. ويشتد الحدث الدرامي ويصبح أكثر اثارة. وتنشأ نقطة التحول الثانية عند حصول كارثة كبيرة ممكنة للبطل- طبعا في سياق الحكاية-

ونصل الآن إلى حالة شديدة من الإثارة والعاطفة كافية تماماً للفصل الثالث ويمكننا ان نتحكم في الوصول إلى الذروة.  

الحل

ليس من الذكاء أن نضيف إلى الحدث عناصر جديدة في الفصل الثالث. إن ابتكار حكاية سينمائية جيدة يعني أن نبدأ من النهاية.  غالباً ما يكون عند الكاتب فكرة للبداية أو لشخصية ويكتب حكايتها من دون أن يعرف  إلى أين تصل. إن ابتكار حدث ما هو إلا عملية خطية. وتأتي بالتأكيد من لحظة  تفكير مسبقة أو متأخرة يجب على المؤلف أن يغيرها بشكل مبتكر وربما يجب عليه أن “يقفز” غالباً من هنا – إلى هناك – وبهذا يمكن أن يتطور مسار الحكاية دراميا بشكل صحيح ومؤثر. 


مخرج ومصوّر وباحث سينمائي. رائد من رواد السينما التسجيلية العربية، من أفلامه التسجيلية: "بعيداً عن الوطن""، و""فلسطين سجل شعب""، و""شهادة للأطفال الفلسطينيين زمن الحرب""، و""وطن الأسلاك الشائكة"". وقدّم روائياً ""الزيارة"" 1970 وهو فيلم تجريبي قصير، و""اليازرلي"" 1974 فيلم روائي تجريبي طويل عانى من لعنة الرقابة أينما عرض. من كتبه: ""فلسطين في السينما""، و""المرئي والمسموع في السينما""، و""مونوغرافيات في تاريخ ونظرية الفيلم""، و""مونوغرافيات في الثقافة السينمائية""."