تذكرة مُكيّف
العدد 211 | 02 أيار 2017
هيثم عبد الشافي


قسموا المترو عربات مميزة وأخرى عادية، وزارة النقل قالت قسموها.. بيع التذكرة بجنيه واحد خسارة كبيرة لن يرضى بها الشعب الطيب، ولصقوا شريطا أصفر على أول عربتين –بعد كابينة السائق لا تنسَ- والموظفون في إدارة التشغيل قالوا لصرافي التذاكر بعد الغذاء: كارثة كبيرة في الطريق إلينا، احذروا. والركاب لعنوا الأسعار والزيادة وسموها عنصرية فارغة، وأقسموا أن يعتصموا على أرصفة القطارات، ونظار المحطات في المكاتب يدخنون السجائر في اجتماع مغلق، ويقولون لمسؤول كبير لا يدخن بالمرة كيف نجبر الناس على دفع جنيهين زيادة دفعة واحدة، وأي حيلة تساعدنا في منع أصحاب تذاكر الجنيه الواحد من صعود العربات المكيفة..؟

عساكر النقل والمواصلات كسرتهم الأخبار السيئة، لا شيء يشغلهم الآن إلا سؤال واحد، كيف ستمر ساعات الخدمة دون جنة الانتظار أمام عربات السيدات؟ بأي حق يتحملون تنفيذ القرار، ومنع هذا والسماح لغيره، هل يتركون نعيم البرفانات ومتعة النظر للأصابع الرقيقة في الصنادل الشفافة البسيطة جدا، ويذهبون لكل هذه الروائح الكريهة، بالتأكيد يفكر أحدهم الآن كيف ستمر إجازته المقبلة دون قصة جديدة تحير أصدقاءه عن بنت حلوة أنقذها من طلاب إعدادي في محطة الدقي، أو كيف ضحى بنفسه ومشى على القضيب المكهرب لينقذ هاتف فتاة جامعية من عجلات قطار اتجاه الجيزة، وماذا سيحكي لأمه بعد انقطاعه عن باعة النعناع والمناديل، وأي أسرار جديدة ستعرفها حبيبته بعد أن تمل حكاياته عن طباعة التذاكر وطريقة التشغيل وماكينات المرور..؟!.

حيرة كبيرة تطحنهم في مكاتبهم وخلف شبابيك التذاكر، أما أنا أكتب من الفرح، أخيراً سأقلب ألبوم صورك كاملاً، من أوله لآخره، هكذا، هذه في الشهر الأول، وأنا لا أحبها بصراحة، وهنا أظهر أنا وأنت فقط، لكن صورة عادية لا أقف أمامها طويلاً، أما هذه بالتحديد لها قلب وروح، انظر كيف كنت تجرب الجلوس أول مرة في حياتك، في هذه الليلة اشتريت راديو جديداً من بائع أمام محطة سعد زغلول، وفي الطريق إليك فكرت طويلا في أول أغنية سيأتيني بها، وقلت ألف مؤشر المحطات 8 مرات في اتجاه واحد قبل التشغيل، وتمنيتها لمحمد رشدي، وتحديداً “بياع قناديل”، آه لو سمعت عتاب رشدي: “ياما قولتله يا حبيبي إن بعتني في السوق غليني.. ياما قولتله يا حبيبي دي كلمة حنينة منك ترضيني”، لكن حرمنا منها يجازيه ربنا، وسمعنا أغنية لمحرم فؤاد اسمها “قوم يا شوق ننام”، أنا سمعتها أول مرة في بلكونة شقة بولاق الدكرور، كنت أكتب تحقيقاً لجريدة خليجية عن آراء المثقفين في حدث ما بعد 25 يناير، ولا أذكره صدقني، لكن تركت الموضوع والحدث والثورة ودخنت في متعة غريبة، ومنعني آذان الفجر أن أهاتف جدك لأخبره أني عثرت على أغنية جديدة لمحرم فؤاد لم نسمعها من قبل.

حكاية الجلوس في المرة الأولى كانت غريبة، أنت كنت نائماً أصلاً، ولا أعرف لماذا استيقظت في منتصف الليل على غير عادتك، أنا قلت لحن خالد الأمير السبب، وأمك قالت ملاك في الغرفة همس في أذنك وانصرف، لكن اتفقنا في النهاية أنك رفضت أن تضيع ليلة الاحتفال بالراديو الجديد، والتقطنا صورة رائعة، الراديو أمامك وأنت بيننا..!

هل شعرت بالوقت..؟ ربع ساعة كاملة لم أقل فيها أوووف واحدة، نحكى ونضحك ونلعب، لا زحام، لا عرق وروائح مستفزة، لا سيدة بدينة تركب المترو لأول مرة وتسألني عن محطتها وتراقب حركاتنا وصورنا، أو مسنا يسقط الهاتف من يدي.. الله الدنيا هادئة والعربة باردة، الحمد لله كثيراً على نعمة التذكرة الجديدة، وسامحهم على التأخير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القصة من مجموعة قصصية بعنوان “7دال”، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة 2016

*****

خاص بأوكسجين


قاص وصحافي من مصر.