مستقبل اليأس المشرق
العدد 160 | 18 تشرين الأول 2014
زياد عبدالله


كنا نلعب مع اليأس، نهادنه، نتحايل عليه، نستيقظ كل صباح ونكشطه عن الوسادة ونمضي بعيداً عنه، ويهمّ باللحاق بنا، وكثيرا ما كنا نسبقه ولو على النفس الأخير.. وكم كان مروّعاً حين كان يسبقنا ويلاقينا بكل بأسه عند المفارق. مع ذلك ما زلت تصفين كل ما تبقى بالراهن، وكل ذاك الذي مضى لا ذكر له. ما من وفرة! وتوصيف الراهن أنه شحيح سيدفعك للقول “لم يبق الكثير!” لكنك لا تفعلين، ولا يُغرر بك لكي تغرقي في مستنقعات الآمال الزائفة، من خشيتك أن تقتربي ولو قليلا من الكتبة والمستكتبين، ومن يقرأهم يجد ضالته كما الحمير لا تضيع البوصلة أبداً، تعود من حيث أتت.

الأصيل في الإنسان هو الانخطاف إلى الخلف، الرسوخ بالخرافات والسحر والآلهة والأنبياء كنت أقول ولا تصدقين، وكالعادة تعزين ذلك إلى ضعف الإنسان، وكم كان هذا الضعف قاتلاً أيضاً، بمقدوره أن يقتل باسم الضعف، فيتواصل الضعف على جثث المستضعفين في الأرض، الرسوخ في الماضي كما لو أني نسيت أن أقول لك: غريزة انسانية أساسية وكل من يتخلص منها في هذا الشرق، عليه يومياً أن يبذل جهوداً جمّة لئلا ينخطف إلى الخلف، لئلا يصدّق كل هذا الدجل المتراكم بأكثر من طبقات الأرض، بأكثر من سبع سماوات، وحصار الدهماء محشرٌ يومي، كاليأس وفي صباح كل يوم أصارعه لأواصل، يترك خدوشاً، وأحياناً يطبق علي بشدقيه، بأنيابه ومخالبه، وأفلت منه بمعجزة يومية وأحياناً أسبوعية، ومرات كثيرة بمعجزة شهرية.

كله مدعاة للتندر، والعدمية سمة ثابتة أحياناً نتحايل عليها بالكتابة بلغة لا يقرأ بها ناطقوها، بل يرددون بها، يتباركون بكتاب واحد أحد، ومن يكتبون بها في المنقلب الآخر ينبحون بما يطرب له كل آفّاق رعديد، والنفاق على أشده، والخراف من الأمام والقطيع من الخلف، وبينهما مجرور الحزن الذي يليق بميلودراما الأحرار  وفصامهم.

كله استطراد لأنه خروج عنك، لكن لا محيد عن العودة إليك، إلى الراهن الذي هو ماض، وإن قلت مستقبل فستضعين يدك على فمي كما تفعلين دائماً.  


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.