من رواية “هوليوود”
العدد 234 | 01 آب 2018
تشارلز بوكوفسكي


 

كانت صالة عرض جميلة تحتوي على بار للمشروبات مع نادل. حتى أنها كانت مزودة بموظف لتشغيل ماكينة العرض. داني سيرفر لم يكن حاضراً.

كان هناك 7 أو 8 أشخاص يجلسون إلى البار. لم أكن أعرف أي واحد منهم. اخترت أن أشرب الفودكا مع السفن أب، أما سارة فكانت تشرب شيئاً أخضر أو أرجوانياً أو أخضر أرجوانياً. كان جون في الخارج يجهز الفيلم مع موظف ماكينة العرض.

شخص جالس في مؤخرة البار كان يحدق بي. لم يرفع عينيه عني.

في النهاية نظرت إليه.

“أخبرني الآن، ماذا تعمل؟” سألت.

توقف قليلاً، تناول رشفة من مشروبه، ونظر إلي من جديد:

“أشعر بالخجل من رأسي إلى أخمص قدمي لأقول لك إنني أعمل في صناعة الافلام”.

سأكتشف بعد ذلك أنه وينر زيرجوج، المخرج الألماني الشهير. كان مجنوناً نوعاً ما، يعني “مأجّر الفوقاني” كما يقولون. يدخل في مجازفات مجنونة يورط فيها نفسه وكل من يحيطون به.

“يجب أن تنخرط في أمور جديرة بوقتك وجهدك.” قلت له.

“أعلم،” أجابني، “لكنني لا أعرف كيف أقوم بأي شيء آخر.”

أتى جون بعد ذلك.

“هلموا بنا، الفيلم يوشك أن يبدأ…”

تبعناه أنا وسارة عبر صالة العرض. بعض ممن كانوا جالسين إلى البار جاؤوا معنا، بمن فيهم وينر والسيدة التي كانت بصحبته. جلس كل منا في مقعده، وقال لنا جون: “ذاك الذي كان جالساً على البار هو وينر زيرجوج. الأسبوع الماضي خاض هو  وزوجته نزالاً بالمسدسات… أفرغا مسدسيهما وهما يطلقان النار على بعضهما دون أن يصيب أي منهما الآخر.”

“أتمنى أن يكون التصويب في الفيلم أفضل…”

“أوه، هو كذلك.” 

أُطفئت أضواء الصالة وبدأ عرض الوحش الضاحك.

 

كان ليدو ميمن رجلاً ضخماً في حجمه وفي طموحه، لكن بلده كان فقيراً وصغيراً. كان يلعب كل ما لديه من أوراق مع الدول الكبرى. يرميها يميناً ويساراً. يفاوض ويساوم ويلعب على الحبلين ليحصل على الغذاء والمال والسلاح. لكنه في حقيقة الأمر يريد أن يحكم العالم. كان وغداً لعيناً قادراً على أن يقتلك من الضحك بما لديه من حس فكاهة. كان هذا اللعين يدرك أن حياة كل من يحيطون به لا تساوي شيئاً في الحقيقة، لكن حياته تساوي الكثير بالنسبة إليه. وأي شخص من بلده يثير عنده أدنى الشكوك، يُقتل على الفور ويُرمى في النهر. الكثير من الجثث كانت تطفو فوق النهر لدرجة أن التماسيح أصبحت تُصاب بالتخمة من كثرة الأكل وتعجز عن تناول المزيد.

 

كان ليدو ميمن يحب الكاميرا كثيراً. تمكن بينشوت من أن يجعله يتظاهر بأنه يترأس اجتماعاً لمجلس القيادة ليصوره. كان مرؤوسوه جالسين أمامه يرتجفون خوفاً وهو يطرح عليهم الأسئلة ويقرأ على مسامعهم قراراته السياسية. لم يكف عن الابتسام كاشفاً عن أسنانه الصفراء الكبيرة. عندما لا يكون منهمكاً في قتل أحدهم أو في إصدار أمر بالقتل، ينيك إحداهن. كان له دزينة أو أكثر من الزوجات، وأبناء أكثر من أن يتذكرهم.

 

كان يتوقف عن الابتسام في بعض لحظات الاجتماع ويتحول وجهه إلى صورة عن مشيئة الرب، وتصبح يده يد القدر القادرة على فعل أي شيء. كان بإمكانه أن يستشعر الخوف الذي يسري في أوصال أفراد جماعته، وكان هذا الخوف يجعله مسروراً ومدمناً على بث الرهبة في نفوس الآخرين.

انتهى اجتماع المجلس من دون أن يتعرض أحد فيه للقتل.

دعا بعد ذلك إلى اجتماع لكل الأطباء الموجودين في البلد. جمعهم في المستشفى الحكومي الرئيسي في غرفة العمليات الكبيرة، وأُجلسوا على مقاعد تحيط بميمن الذي وقف في الوسط وبدأ يخطب فيهم.

“أنتم أطباء لكنكم ستبقون لا شيء إلى ان أقول لكم أنا أنكم شيء. تظنون أنكم تعرفون أشياء معينة لكن هذا مجرد وهم. لقد تم تدريبكم على أمور بسيطة في نطاق ضيق جداً. فليكن هذه التدريب الذي حصلتم عليه مفيداً لبلدكم وليس لأنفسكم. نحن نعيش في عالم لا أحد فيه على صواب إلا الذي ينجو ويبقى صامداً في النهاية. سأقول لكم كيف تستخدمون أدوات الجراحة الخاصة بكم، وكيف تعيشون حياتكم أيضاً. أرجو ألا يتحامق أحد منكم ويخالف أوامري أو يسير عكس رغباتي. لا أتمنى أبداً أن أهدر علمكم أو مهاراتكم بقتلكم. يجب أن تتذكروا دائماً أنكم لا تعلمون إلا ما علموكم إياه. ما أعلمه أنا أكبر مما يمكن تعليمه. ستفعلون دائماً ما أقترحه عليكم، أريد أن يكون كلامي واضحاً شديد الوضوح، مفهوم؟”

ساد الصمت.

“من فضلكم،” تابع ميمن “هل يريد أحدكم أن يعترض على ما قلته للتو؟”

استمر الصمت.

كان ميمن دمية، دمية متوحشة، وبطريقة ما كنت ستحب أسلوبه المقرف المريع… ستحبه طالما أنك لست مضطراً إلى رؤية مشاهد القتل والتعذيب وتقطيع الأوصال.

بعد ذلك، من أجل عيون الكاميرا، استعرض ميمن سلاح الجو الذي لديه، المشكلة الوحيدة هي أنه لم يكن لديه سلاح للجو بعد، لكنه كان يمتلك الطيارين وزيهم الرسمي.

“هذه هي قواتنا الجوية.” قال ميمن.

دخل الطيار الأول راكضاً على صف طويل من الألواح. كان يركض كالصاروخ. عندما وصل إلى نهاية الألواح قفز في الهواء وفرد يديه وكأنهما جناحان، ومن ثم حط على الأرض.

بعده جاء الطيار الثاني راكضاً أيضاً، وكرر السيناريو نفسه.

وتتالى الطيارون الطائرون واحداً بعد الآخر.

أظن أنه كان هناك 14 أو 15 طياراً. وكلما قفز أحدهم ندّت عنه صرخة وجيزة وعلى وجه كل منهم كنت ترى ضحكة مشوبة بتعابير النشوة والابتهاج. كان الأمر غاية في الغرابة عندما تفهم الشعور الذي يعيشه هؤلاء الطيارون: كل منهم كان يضحك على فداحة السخف الذي يقوم به، لكن كل واحد منهم كان مؤمناً بما يفعله بالرغم من ذلك.

 

بعد أن قفز الطيار الأخير وحط على الأرض، وقف ميمن مواجهاً الكاميرا.

“مع أن ما نفعله يبدو بالغ الحمق، لكنه مهم جداً في الحقيقة. ما لا نملكه بين أيدينا، أرواحنا ذاخرة به ومستعدة له. يوماً ما سنمتلك سلاح الجو الخاص بنا. نحن لا نضيع وقتنا وطاقتنا بالقنوط والإحباط. أشكركم جزيل الشكر.”

 

بعد ذلك عُرضت بعض المشاهد التي صُورت داخل غرف التعذيب. لم يكن أحد في داخلها. لكن ترى هناك برازاً وسلاسل ودماءً على الجدران.

 

“هذا هو المكان الذي نستضيف فيه الخونة والكاذبين حتى يقولوا الحقيقة في النهاية.” قال ليدو ميمن.

 

نرى في المشهد الأخير ميمن في حديقة كبيرة يصحبه العديد من الحراس الشخصيين، ومعه زوجاته وأطفاله. لم يكن الأطفال يبتسمون أو يقفزون أو يلعبون. كان يحدقون في الكاميرا بصمت، تماماً كما يفعل الحراس الشخصيون. كانت كل الزوجات يبتسمن، وبعضهن كن يحملن صغارهن. كان ميمن يبتسم كاشفاً عن أسنانه الصفراء الكبيرة. كان يبدو محبباً جداً، حتى أنه كان يبدو فاتناً جداً.

أما مشهد الختام فنرى فيه بحيرة التماسيح البدينة. كانت التماسيح متخمة، مفرطة السمنة، وخمولة، عيونها تتحرك في محاجرها ببطء تاركة أجسادها تسبح مع التيار.

النهاية.

كان فيلماً وثائقياً ساحراً وكان من دواعي سروري أن أقول لبينشوت هذا وأكثر.

“أجل،” قال بينشوت “أنا أحب الرجال غريبي الأطوار، لهذا أتيت لأعثر عليك.”

“شرف لي أن أوضع في خانة واحدة مع ليدو ميمن.” قلت له. 

“هذا صحيح.” قال، لنغادر بعدها قاصدين منزله. 

 

***

 

عندما عدنا وجدنا فرانسوا راسين منكباً على عجلة الروليت الصغيرة. من الواضح أنه كان قد شرب قدراً لا بأس به من النبيذ. وجهه كان متورداً وأمامه ترقد كومة كبيرة من الفيَش. كمية كبيرة من الرماد المحترق كانت على وشك أن تسقط من طرف سيجاره. وفي النهاية سقطت واستقرت على سطح الطاولة.

“لقد ربحت مليوناً وأربعمئة وخمسين ألف دولار!”

الكرة الصغيرة توقفت عند أحد الأرقام. قام فرانسوا بجمع الفيَش.

“يكفي هذا… يجب ألا أكون جشعاً.”

مشينا إلى الغرفة الأمامية وجلسنا هناك. ذهب جون ليحضر النبيذ والكؤوس.

“ما الذي ستفعله بكل هذه النقود التي كسبتها؟” سألت سارة.

“سأتبرع بها. هي لا شيء. الحياة كلها لا تساوي شيئاً. النقود لا شيء.”

“النقود مثلها مثل الجنس،” قلت، “تبدو مهمة جداً فقط عندما لا تحصل عليها.”

“تتحدث ككاتب.” قال فرانسوا.

عاد جون. فتح الزجاجة الأولى، وصب منها لكل الموجودين.

“يجب أن تأتي إلى باريس.” قال لي، “أعمالك تحظى باحترام كبير هناك. يُعاملونك هنا وكأنك متشرد منبوذ.”

“هل لديهم مضمار للسباق هناك؟”

“طبعاً لديهم!” قال فرانسوا.

“إنه يكره السفر،” قالت سارة، “وأجل يا هانك، لديهم مضمار للسباق هناك.”

“ما من مكان في الدنيا مثل باريس.” قال فرانسوا، “تعال معي إلى باريس. سنذهب معاً إلى مضمار السباق”.

“اللعنة، علي أن أكتب نصاً سينمائياً.”

“سنراهن على الأحصنة وبعدها سنكتب النص.”

“دعني أفكر في الأمر.”

أشعل جون سيجاراً. بعد ذلك وجد فرانسوا سيجاراً جديداً وأشعله. كانت السجائر طويلة ومدورة وتصدر صوتاً كالأزيز من طرفها المشتعل.

“رحماك يا رب!” قالت سارة.

“فرانسوا وأنا ذهبنا إلى لاس فيغاس منذ بضعة أيام.”

“وماذا فعلتما هناك؟” سألت سارة.

شرب فرانسوا جرعة كبيرة من كأس نبيذه، ومج مجة من سيجاره ونفث نفحة مكتنزة من الدخان صبغت المكان بجو سحري.

“اسمعوني، اسمعوا هذه القصة… أنا فائز بخمسة آلاف دولار، أنا أسيطر على العالم، انا أمسك مصيري بيدي كما أمسك هذه الولاعة. أنا أعرف كل شيء. أنا كل شيء. لا شيء يستطيع إيقافي. القارات ترتجف أمامي… ربت جون بعد ذلك على كتفي وقال “فلنذهب لرؤية تاب جونز” “ومن هذا التاب جونز؟” سألت. “لا تهتم، هيا بنا لرؤيته…” 

أنهى فرانسوا كأسه. ملأه جون.

“هكذا ذهبنا إلى الغرفة الأخرى. وهناك وجدنا تاب جونز. تاب جونز كان يغني. قميصه مفتوح يظهر من خلفه شعر صدره الأسود المنقوع في العرق. فمه يبدو وكأنه فتحة فظيعة ارتُكبت على عجل في فطيرة سيئة الطعم. يرتدي بنطالاً ضيقاً ثُبّت عليه أير اصطناعي (ديلدو). أمسك بخصيتيه وبدأ يغني عن كل الأشياء الجميلة التي يستطيع أن يقدمها للنساء. كان غناؤه رديئاً للغاية، بل كان غاية في الرادءة وكريهاً مقرفاً. غناؤه كله كان عما يمكن أن يفعله للنساء، لكنه كان كاذباً ومزيفاً، فما كان يريده بالفعل هو أن يقحم لسانه في بخش طيز رجل ما. كنت على وشك أن أتقيأ وأنا أستمع إليه. والخازوق الأكبر هو أننا قد أنفقنا مبلغاً لا بأس به من أجل هذا الخراء. وعندما تنفق المال لترى كابوساً كهذا تشعر بأنك حمار أصيل. من هو هذا التاب جونز؟ يدفعون لهذا المخلوق آلاف الدولارات ليرتدي أيراً اصطناعياً ويمسك خصيتيه ويترك الأضواء تلتمع على صليبه. الرجال الطيبون والعظماء يتضورون جوعاً في الشوارع، بينما هذا الحيوان الكريه يُبجل ويُكرم. النساء يصرخن! يعتقدن أن هذا المنيوك رجل حقيقي! هذا الفتى الكرتوني الذي يلعق الخراء في أحلامه. “جون،” قلت له “أرجوك دعنا نغادر، أكاد أفقد عقلي، أشعر بالإهانة وأكاد أن أفرغ ما في جوفي في أحضاني!” “انتظر!” قال لي “قد يتحسن أداؤه.” لم يتحسن. بل ساء أكثر وأصبح أكثر صخباً. وفُتح قميصه أكثر حتى بانت لنا سرته. امرأة كانت جالسة بقربي مدت يدها إلى كلسونها “ضايعلك شي مدام؟!” سألتها. كانت سرته تبدو كعين ميتة قذرة ومتسخة. حتى الطير كان ليأبى أن يلقي روثه فوق هذه السرة المقرفة. بعد ذلك ما كان من تاب جونز هذا إلا أن استدار وأرانا طيزه. أستطيع أن أرى الطيز الذي أريدها في أي وقت وأي مكان، لكنني لا أحب ذلك. وها نحن ندفع النقود لنرى هذه الطيز القميئة الدهنية المقرفة. تعلمون، لقد مررت بأوقات صعبة وتعرضت إلى الكثير من الحوادث والمصائب، حتى أنني تعرضت إلى الضرب المبرح على يد الشرطة في إحدى المرات، ولم أكن وقتها قد ارتكبت شيئاً أستحق عليه الضرب… حسناً ارتكبت خطأً وقتها لكنه لم يكن بالخطأ الجلل، لكن النظر إلى فردتي الطيز القميئة تلك كان أشد مضاضة وأكثر قسوة من كل الركلات والصفعات التي تلقيتها من دون ذنب يُذكر! “جون” قلت له، “يجب أن نغادر الآن قبل أن أفقد عقلي وربما حياتي”.

 

ابتسم جون “وهكذا غادرنا. أردت فقط أن أرى تاب جونز.”

كان فرانسوا يستشيط غضباً الآن. وبدأت بعض البقع البيضاء تتشكل عند زاويتي فمه. وبدأ الرذاذ يتطاير من فمه وهو يتحدث. كان طرف سيجاره غارقاً الآن في بصاقه وأسود داكناً.

“تاب جونز! من هو تاب جونز هذا؟ لماذا أهتم بحق الجحيم بهذا التاب جونز؟ تاب جونز أحمق تافه! أنا فائز بخمسة آلاف دولار وماذا نفعل؟ نذهب لرؤية تاب جونز! من هو هذا التاب جونز؟ لم أعلم بوجود هذا التاب جونز من قبل! أخي ليس اسمه تاب جونز. ليس هذا اسم أمي حتى! تاب جونز هذا حيوان كبير!”

“إذاً،” قال جون “عدنا إلى الروليت.”

“نعم،” قال فرانسوا، “أنا فائز بخمسة آلاف دولار وها نحن نأتي لنرى أيراً اصطناعياً ميتاً يغني! لقد فقدت تركيزي. من هو تاب جونز هذا؟ لقد رأيت رجالاً أفضل منه ينقبون في خراء النوارس؟ أين أنا؟ العجلة تدور وكأنها غريبة عني! أنا أشبه بطفل مرمي في برميل مليء بالعناكب! ما تلك الأرقام؟ ما تلك الألوان؟ تلك الكرة البيضاء الصغيرة تقفز وتدفن نفسها في قلبي، وتبدأ بالتهامه من الداخل إلى الخارج. ليس لدي أي فرصة. لقد فقدت تركيزي. الأيور الاصطناعية تتبختر مختالة والحمقاوات يصرخن طلباً في المزيد. طار صوابي. أقفز في مكاني تنتابني حمى الفيَش. أرى جمجمتي منذ الآن في التابوت الغبي. من هو هذا التاب جونز؟ إنني أخسر. لا أعلم أين أنا الآن. ما إن يضيع تركيزك… ما إن تبدأ بالسقوط، لن تجد طريقاً للصعود. ولأنني أعرف أن لا فرصة لي، أجازف بكل فيَشي. أقوم بكل الخطوات الخاطئة، أتخذ كل القرارات الغبية وكأن عدواً قد استحوذ على جسدي وعقلي. لقد انتهيت. ولماذا؟ لأنه كان علينا الذهاب لرؤية تاب جونز؟ أنا أسألك الآن: من هو هذا المنيوك تاب جونز؟” 

 

كان فرانسوا قد انتهى واستُنزف. سيجاره سقط من فمه. التقطته سارة ووضعته في المنفضة. وفي الحال عثر فرانسوا على سيجار آخر في جيب قميصه. أخرجه من علبته الأسطوانية ولعقه ورطبه ووضعه في فمه. تمالك نفسه وأشعله بشعلة فلورية رقيقة. مد يده ليبلغ الزجاجة، صب الشراب للجميع، استقام في جلسته، وابتسم:

“اللعنة! على الأرجح كنت سأخسر في جميع الأحوال. المقامر بدون عذر هو مقامر لا قِبل له بالاستمرار”.

“تتحدث ككاتب.” قلت له. 

“لو انني أستطيع فعل ذلك ككاتب، لكنت كتبت لك ذلك النص.”

“أشكرك”

“كم يدفع لك؟”

حركت يدي في الهواء: جواب ضبابي.

“سأقوم بكتابته من أجلك ونقتسم الأجر بالنصف، ما رأيك؟”

“موافق.”

“لا،” قال جون “سأعرف الفرق بسهولة”.

“حسناً إذاً،” قال فرانسوا، “سيكتبه تاب جونز بأيره الاصطناعي.”

وافقنا جميعاً على ذلك، ورفعنا كؤوسنا لنشرب نخب ذلك. كانت تلك بدايةً لسهرة طيبة.

———————-

الفصل الثالث والرابع من الرواية.

 

*****

خاص بأوكسجين