كنت أركض في حلب المدمرة، ألاحق ما أجهله، وما أن انعطفت حتى طالعتني امرأة عانقتني كما لو كانت تترقبني، كما لو أني وقعت في فخ ذراعيها الرقيقتين القويتين وعناقها يريد لجسدي أن يتخلل جسدها، يمتزجان فلا نعرف أحدهما من الآخر.
قالت:
“في المنام السابق تركتني وحيدةً ومضيت، هل ستفعل هذا مجدداً؟”
تذكرت في المنام المنامَ السابق الذي رأيتها فيه، وكانت هي لا محالة، امرأة المنام السابق والحالي وما عرفتها إلا فيهما.
مضت تركض وأنا ألاحقها وكل ما حولي مهدّم ومهجور. ثم اختفت وطالعتني مجمعات سكنية هائلة لم ينل منها دمار، ورحت أنظر إليها وأنا أستشعر ضآلتي ويأسي من العثور عليها، وأمسيت مجللاً بالخجل وشيء يقول لي: أي حرج سأكون فيه إن هي ظهرت في المنام المقبل؟ هل ستصدق أنني أضعتها ولم أهرب منها؟
استيقظت!
كانت الساعة تشير إلى الرابعة والنصف فجراً.
جلست إلى طاولتي، وقهوة الأمس مازالت عليها.
فاحم ما في جوف الركوة.
أبيض الفنجان.
أسود وأبيض.
رشفت القهوة باردة!
دخنت سيجارتين!
وتواصل هاجسي بما سأقوله لامرأة المنام إن هي سألتني لمَ اختفيت؟ وكنت بين عجز وهرب.. عجزي عن اللحاق بها وهربي منها، والأمر سيان: إن عجزتُ هربت، وإن هربتُ فإنني عاجزٌ لا محالة.
النافذة تتحرش بي ولا أبالي بفجرها.
وزقزقة العصافير أمست مؤثراً صوتياً رُكِّب لضرورات الصباح.
القهوة أكثر برودة.
تزايدت المؤثرات الصوتية وعلت
اندلع يوم جديد.