هل كنت تطبخين لوبياء بالزيت في تمام الخامسة فجراً؟
كان هذا سؤالاً وجودياً! ألحق أيضاً بحديثك المستفيض عن اختلاط الورع برائحة البصل المقلي، وإقدامك على التهام كل ما أعددته بمغرفة كبيرة، وحيدة وساهمة أمام تلفاز لا تعرفين شيئاً عما يعرضه أمامك، وقد كانت تتداخل الأصوات التي يصدرها وأذان الفجر.
لقد قال لك كما في كل مرة بأنه سيعود، لكنه هذه المرة تجاوز السنة، ولم يعد. بمقدورك معرفة كم مكروهاً أصابه، لكن يبقى الغياب مصابك الخاص بك تماماً، ولك أن تخرجيه في كل لحظة وتنفضي عنه أي ذرة إهمال، فهو وغيابه حاضران أبداً، برفقتك أينما ذهبت، يجلس هو وغيابه في المقعد الجانبي في السيارة، وتقودين وتصلين وجهتك أنت وهو وغيابه.
لقد كنت مدهشة في تركيزك تماماً على غيابه، وعدم الاستسلام لغوايات التفكير فيما أُلحق به من أذى، وهذا يتعدى مذاق اللوبياء، وكيف نجحت ببراعة أنثى خارقة بألا يختلط مذاقها بمذاق وحدة قاتلة، وبدون أن ترشي عليها أي من توابل الاشتياق الحارقة.. إلا إنها وجبة مطلع الفجر حين تكون الكائنات هاجعة والهدوء سارياً ومهيمناً، حين لا يمكن فصل الليل عن النهار بوضوح، وهكذا ملامح وصفات لا تعرف إلا أن تجعلك ممتقعة بها.
أيضاً منعتِ تسربات تصيب كيس اليأس الذي نحمله على عاتقنا، وقد كنت على الدوام تتعاملين معه – أي هذا الكيس – على أنه كيس طحين، أبيض وناصع لن ينال منك، بل ستخبزين به رونق إشراقك المدوخ.
مضت الأيام وتوالت وما من أخبار عنه، وعدا غيابه فإنك ما زلت تلتقطين ذبذبات روحه، لكنها ذبذبات في النهاية، لها أن تكون مضللة، وللروح أن تلفظ وتبقى ذبذباتها، ولها أن تصعد أيضاً، لا فرق! تماما كما هو الغياب أيضاً لا هو بموت ولا بحياة.