سبايدرمان الهزيمة
العدد 232 | 08 حزيران 2018
زياد عبدالله


كانت الخطة تقتضي الإطاحة بالنجمة الوقحة العالقة بالسقف، نعم النجمة التي ضلّت السماء فاهتدت براقةً لامعةً إلى سقف غرفتنا، وأنارت على نحو لا سابق له كل ما غمرناه بالعتمة، عكس إيمانكِ المطلق بأن أجمل الأشياء تحدث في العتمة والخفاء.

لم تنجح الخطة.. هدمنا السقف ولم تفارقنا النجمة.

واليوم تحديداً بينما نتابع الأخبار علمنا  أن سبايدرمان مجرد لاجئ أو مهاجر غير شرعي لا فرق! أقصى طموحه أن ينال جنسيةً فرنسيةً، وشكّل هذا عزاء لنا نحن الذي ننازع نجمة، ونسدل الستائر حين نمارس الحب كهوسٍ لا نملّه ولا يملّنا، ولعل تفاعلكِ مع الأخبار أو هلعكِ الأصيل جعلكِ تخشين من أن يكون سبايدرمان متلصصاً أيضاً، وأنا للأمانة لم أهتم لذلك، وبدا لي هلعكِ زائفاً طالما أن النجمة وسبايدرمان لم ينالا من جذوة حبك قيد أنملة.

وفي تمام الساعة التي كنت أجهلها لولا اشاراتكِ المتكررة إلى أن  الوقت يدهمنا، قُرِع الباب وطالعني رجلٌ متجهمٌ واقفاً فيه، عرّف عن نفسه بأنه الرجل الذي سيعلن الهزيمة، فرحبنا به أيما ترحيب، وأولمنا له، واحتفينا به كما يليق بمنتصرٍ جبّار ، وقد كان كذلك وفق آرائكِ التي كنت تمطريني بها ليل نهار، ومفادها بأننا لن ننتصر ما لم تعلن هزيمتنا النكراء.

على كلٍّ.. حين همّ الرجل المتجهم بإعلان الهزيمة اختنق بما أجهله، ولم أصدّق روايتك بأن اختناقه كان جراء حبة كرزٍ علقت في حلقه المتأهب لإعلان الهزيمة حتى يتحقق النصر بعدئذٍ، ثم إن النصر مُعلن ومتوفر رغم عداد الموتى الذي لا يتوقف إلا ليواصل، وتهديم سابع أرضٍ وسماء، وثمة شاعرٌ صنديدٌ يبارك هذا النصر وأنا أحصي له كم من البلاد أيتها الحرية؟ وهكذا هراء يبدو أنه كتبه في مراهقته ثم تاب عنه حين تجرأ أحدٌ ما على نطق كلمة “حرية”، ولأكون منصفاً فإن النصر كان “مشفّى”، لم يعثر في ثناياه على شوائب أو عظام بل كان بحراً من لحم ودم من انتصر من أجلهم الواحد الصمد.

لقد نجحت خطة الأوغاد! وألصقت نجمة في سقفٍ واختفت السماء وهُدِّم السقف، وكلنا أمل أن يكون لنا بعضاً من مواهب سبايدرمان وننقذ طفلاً بكل الأطفال، لننجو  بلا نصر ولا هزيمة ويعيش الأوغاد برغد وهناءة بال.

 


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.