كان ظهورها كظهور العذراء، ولم تكن عذراء أبداً!
مضى وقت طويل لم أستطع التلفت فيه، وبدت الشياطين التي انتهبت الشوارع مدعاة للسكون، ولم أجد من ينافسها على ذلك السكون، فناجيت الله وقد كنت نسيت وجوده أصلاً. هبطا سوية في ذات اللحظة التي انتبهت فيها إلى أنني كنت قد فقدت آخر ذرة شِعر.
ثالثهما القصيدة صرت أقول، هي والله والقصيدة، والتبغ الذي ينكّه فمي يتجول بحرية أكبر في دمي، أدخن، كل ما أفعله أنني أدخن، أثر التبغ أقوى وأشهى في هذه اللحظة بالذات، وألم أذني اليسرى الذي يصحو كلما سحبت نفساً من غليوني بالكاد أشعر به، وبالكاد أميز بين الأذن الخارجية والوسطى.
كنت مشرعاً للمطارات، بين إقلاع وهبوط، وهي ترافقني وآلام أذني اليسرى، وأتذكر أن عليّ أن أصلّي من دون أن أعرف القبلة وقد كنت دائماً على علو شاهق، مفارقاً لها، بعيداً عنها، أسرف في كل شيء لأغطي عليها، لأغمر سكونها بالصخب، لكن عبثاً، كانت المتاهات الساكنة كل ما يذيقني إياه مذاقها مستعاداً.
تركت لي حفارات التضرع ورحت أحفر عميقاً أريد أن أخرج بالقصائد لها بدل الأدعية، وقد كانت كل معدات الخلود في حوزتها، ومساحات لا متناهية من الفناء امتلكتها بانتظارها وقد فقدت آخر ذرة شِعر.