القرف في عصر الأفكار الصغيرة
العدد 167 | 24 شباط 2015
زياد عبدالله


لماذا عليك أن تحزن على هذا النحو، فقد أمسى الأمر ترفاً، وإقداماً على فعل عاطفي لا طائل منه، ويؤخذ عليه أنه فردي لا يمكن مهما حاولت توزيعه على الآخرين، أن يسبب التعاطف وتلك الأوهام الإنسانية التي لا ينال منها التقادم. القرف هو الأجدى، مع أنه أيضاً شعور فردي، كما كل شعور في النهاية.

ولأن الانحطاط يتفوق على المأساة، فمرحباً بك أيها القرف، فالمآسي أمر متكرر على نحو يدفع لإيمان أي عاقل بأنها بلا نهاية، وهي على الدوام تتخذ أشكالاً على اتصال بالوحشية وانعدام الرأفة، وبالتالي لا حاجة للحزن ولا ضرورة له، بينما الانحطاط متجدد وهو متصل بكيفية التعامل مع المآسي، واختلاق التبريرات لها، واكتشاف أساليب البشر البعيدين عنها في التعاطي معها، وهنا يمكن استبعاد الحزن تماماً، واكتشاف دناءات جديدة من التعاطف.

___________

 

ما من فعل مستقبلي حافل بالوعود إلا ويحمل حساً فكاهياً ما، خفة تقي حاملي وزر هذا الفعل وصنّاعه عبئه وكوراثه ومنعطفاته. نحن لدينا “صفر الوجوه من دون علة” منبهرون أمام الكاميرات، يلفقون أي شيء عن أي شيء، ومتجهمون مثابرون على إلقاء خطب الجمعة في جميع الأيام، وهم عاجزون عن الارتقاء إلى مصافي المهرجين، بينما يزرعون تلك التكشيرة  على الوجوه..جراء القرف.

_____________________

لا أعرف متى سمعت للمرة الأولى بمصطلح “عصر الأفكار الصغيرة” ربما من عشر سنوات، المهم أنه مصطلح دقيق طالما أنه لم يعد من “سرديات كبرى”، وما بعد الحداثة تكفلت بتفكيك كل شيء، لكن ذلك لم يعد كافياً أبداً، فنحن في عصر الكليشهات الصغيرة، الإجابات مسبقة الصنع، ثقافة الستاتوس و الـ 120 حرفاً.

ما من سياق تاريخي أو سردي، ولا بنية ولا هم يحزنون، فقد تحولت كل تلك الأشياء إلى عوائق، أمام قول أي شيء عن أي شيء، المهم أن أن تتقن مخاطبة القطيع.

 

________________

 

لا تريد السماء أن تمطر، تريد الاحتفاظ بالغيوم لأطول وقت ممكن، فما أن تبدأ بذرف ما تحمله حتى يبدأ العدد التنازلي للفراق، فتعود وحيدة وزرقتها وتراميها ورتابة الأدعية التي لم تتوقف لحظة.. و ما من مجيب.


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.