لماذا عليك أن تحزن على هذا النحو، فقد أمسى الأمر ترفاً، وإقداماً على فعل عاطفي لا طائل منه، ويؤخذ عليه أنه فردي لا يمكن مهما حاولت توزيعه على الآخرين، أن يسبب التعاطف وتلك الأوهام الإنسانية التي لا ينال منها التقادم. القرف هو الأجدى، مع أنه أيضاً شعور فردي، كما كل شعور في النهاية.
ولأن الانحطاط يتفوق على المأساة، فمرحباً بك أيها القرف، فالمآسي أمر متكرر على نحو يدفع لإيمان أي عاقل بأنها بلا نهاية، وهي على الدوام تتخذ أشكالاً على اتصال بالوحشية وانعدام الرأفة، وبالتالي لا حاجة للحزن ولا ضرورة له، بينما الانحطاط متجدد وهو متصل بكيفية التعامل مع المآسي، واختلاق التبريرات لها، واكتشاف أساليب البشر البعيدين عنها في التعاطي معها، وهنا يمكن استبعاد الحزن تماماً، واكتشاف دناءات جديدة من التعاطف.
___________
ما من فعل مستقبلي حافل بالوعود إلا ويحمل حساً فكاهياً ما، خفة تقي حاملي وزر هذا الفعل وصنّاعه عبئه وكوراثه ومنعطفاته. نحن لدينا “صفر الوجوه من دون علة” منبهرون أمام الكاميرات، يلفقون أي شيء عن أي شيء، ومتجهمون مثابرون على إلقاء خطب الجمعة في جميع الأيام، وهم عاجزون عن الارتقاء إلى مصافي المهرجين، بينما يزرعون تلك التكشيرة على الوجوه..جراء القرف.
_____________________
لا أعرف متى سمعت للمرة الأولى بمصطلح “عصر الأفكار الصغيرة” ربما من عشر سنوات، المهم أنه مصطلح دقيق طالما أنه لم يعد من “سرديات كبرى”، وما بعد الحداثة تكفلت بتفكيك كل شيء، لكن ذلك لم يعد كافياً أبداً، فنحن في عصر الكليشهات الصغيرة، الإجابات مسبقة الصنع، ثقافة الستاتوس و الـ 120 حرفاً.
ما من سياق تاريخي أو سردي، ولا بنية ولا هم يحزنون، فقد تحولت كل تلك الأشياء إلى عوائق، أمام قول أي شيء عن أي شيء، المهم أن أن تتقن مخاطبة القطيع.
________________
لا تريد السماء أن تمطر، تريد الاحتفاظ بالغيوم لأطول وقت ممكن، فما أن تبدأ بذرف ما تحمله حتى يبدأ العدد التنازلي للفراق، فتعود وحيدة وزرقتها وتراميها ورتابة الأدعية التي لم تتوقف لحظة.. و ما من مجيب.