كانوا في خضم معارك ضارية، فهم يقاتلون ذباب وجوههم وفي رواية أخرى “دبان وجهن”. وأمام مرآة بانورامية لا تخطئ أبداً أشرفوا على هذه المعارك، ولم ينخفض أبداً حماسهم ولا عدد الذبابات المطلوبة لاستمرار المعارك، فقد أمضوا سنوات طويلة وهم يعدّون العدّة مخبّئين ذبابهم الأبيض ليومهم الأسود. الذباب من أمامهم، والبشر من خلفهم مقتولين.
وهكذا جاء في صحيحهم أن ذباب وجوههم أنبل من كل أولئك الذين حلموا وقتلوا. وبما أنهم عتاة، وعمقهم آتٍ من قدرتهم الهائلة على عدم الاكتراث بالكوارث ومواصلة نضالاتهم ضد ذبابهم، فإن شيئاً لم يتغير، وما زالوا بانتظار من لا يأتي ابداً.
ونحن بدورنا كنا نعبر على رؤوس الأصابع الممرات التي توزعت عليها غرفهم، وقد كنّا أقلّ من أن نشكّل رتلاً، وهم كثر متسلحين بقدرتهم على الشتم والبصاق المقدسين، وكامل العتاد الغوغائي، وهكذا فإن أي نأمة ستعكر عليهم خلوهم بأنفسهم لإزالة طبقات مكياج الكذب عن وجوههم في نهاية كل يوم، أو ستقطع على المهرجين منهم انجازهم الأكثر ثورية في الكون وقد قلبوا مهنة التهريج رأساً على عقب، فهم بكّاؤون على الملأ، ضاحكون في الخفاء.
كنا أقلّ من أن نشكّل رتلاً، لكن كان الاصرار أن نعبرهم أن نتجاوزهم، أن نتركهم في غرفهم التافهة سيئة التهوية يتخبطون بالكذب.