يمر الوقت بطيئاً في عيون ريّا، في الأمكنة غير المتغيّرة، في الغبار المتكدس ببطء على الأسطح، حيث لم تعد اليدان تتكأن لتسندا الرأس. حركة الوقت واحدة، نظامية كعيون ريّا وهي تتأمل ساعة الصالون الكبيرة. لا رغبة لها بمسح الغبار ولا بإسدال الستائر، فالشمس شاحبة والليل يتحضر ليبتلع النهار بتفاصيله المملة ليرسم للنهار أنفاً أحمر كبيراً، وبأحمر الشفاه السميك رسمت شفتين كبيرتين فوق شفتيه الرقيقتين، كبالون أحمر أو طائرة ورقية طيّرتها منذ سنوات عند المغيب، وقفت تنتظر أحمر الشفاه كي يجف، ينتظر الطائرة الورقية كي ترجع، تنتظر الهاتف كي يرنّ. الليل الأحمر هنا، هي أيضاً وقد حان وقت الخروج، قف أيّها الوقت.
يمر الوقت بطيئاً في عيون ريّا وهي تحدق في النافذة العلوية التي تفصلها عن الطريق؛ طاقة النور الوحيدة في الغرفة السفلية التي استأجرتها منذ حوالي شهر. لم تستأجرها حقاً، بل مكثت فيها حين طُلب منها ذلك، وبقيت. قال لها انتظريني هنا ريثما أعود. قد تبدو الجملة مقتبسة من فيلم “ذهب مع الريح”، لكنها لم تشاهد الفيلم أبداً.
“سيرجع” تقول لنفسها كل ليلة، تضع أحمر الشفاه وتتمشى في الليل، تمشّط الشارع بحثاً عنه، كجيش يمشط مناطق أطلقت منها نيران، كجيش يبحث عن فأرة صغيرة. هل أغرمت بفأرة يا ترى؟ أو بمارد تحوّل أسدا؟ لم تعد تنكر تفاصيل وجهه. كان قبيحاً، يشبه مارداً هارباً من فانوس سحري؟ هل كانت هي الفانوس يا ترى؟ تحك جلدها، لربما يتصاعد المارد المسجون، من شعرها، من فرجها؟ يختبأ كجنين نسيته أمّه بينما الجيش يمشط الأراضي المحتلة، أما الألغام المختبئة قد تكون في أي مكان. في الشارع هاهنا، بين رجليها وهي تحاول العبور، ولا تقوى على ذلك.
باستطاعتك أن تبقي هنا، لن يزعجك أحد، قال الوجه القبيح الذي أحبته فيما مضى. غسل يديه وذقنه من فتات الخبز العالق، نظر إليها وقبّلها مودّعاً. لم يقل لها لا تخرجي، لم يمنعها عن شيء، لكنّه نظر طويلاً إلى ساقها الممدودة كمن يستعيد أمراً. ثمّ لم تره. اختفى الوجه القببيح من حياتها. نسيته. أرادت عبور الشارع لكنّها نسيت كيف! فالجيش الذي يمشط المناطق المحتلة نسي قنبلة واحدة.
*****
خاص بأوكسجين