الصراصير والذباب
العدد 292 | 26 كانون الثاني 2025
طارق عباس زبارة


كان يا مكان في قديم الزمان بلاد يعيش سكانها في وهم أن ماضيها جميل ومستقبلها سيكون أجمل، ويقال إن الذين حكموها منذ أمد طويل هم من غرسوا في أهلها هذا التفكير كي لا ينظروا إلى الحاضر ولا يحاسبوهم على أفعالهم.

وذات يوم ظهر صرصار كبير في البلاد وخطب فيهم قائلاً إنه سيكون حاكمهم الجديد وهو أفضل من غيره، ووعدهم بمستقبل باهر وحياة سعيدة، شرط أن يعلنوا له فقط – دون الحشرات الأخرى – الولاء التام.

وافق السكان على مضض؛ إذ لم يكن أمامهم بديل غير ذلك الصرصار الكبير؛ وكونهم قد تعبوا من الصراع الدائم بين الحشرات على الحكم.

بدأ الصرصار يثبّت حكمه من خلال محاولة القضاء على كل الحشرات التي قد تنافسه، وخاصة النحل؛ حيث قطع أزهارها وفضل الدبابير عليها؛ فتضاعفت أعداد الدبابير -التي لا عمل لها غير اللدغ- في البلاد، كما استطاع أن يقنع محبي النحل ألا نحل في البلاد بعد اليوم وأن الدبابير ستقوم بدورها.

وكون الصراصير لا تعيش إلا في الأوساخ، فانتشرت القاذورات في البلاد، وحتى السكان صاروا يزدادون قذارة يوماً بعد يوم لإرضاء الصرصار الكبير.

وبعد أن قضى الصرصار وأتباعه الدبابير على معظم الحشرات النافعة من نخبة البلاد، التي لا تتحمل القاذورات، حل مكانها الكثير من الذباب، فعمَّ طنينها البلاد، وطغى على كل الأصوات.

وبالطبع لم يحب الصرصار الكبير الذباب، لكنه اضطر لمشاركته الحكم، إذ لم يعد قادراً عليه، فقد تضاعفت أعداده كثيراً، فهو – مثل الصراصير – يحب الظلام، ويقتات على القاذورات ويستفيد من انقراض الحشرات النافعة.

وفي يوم من الأيام ضاق السكان من الأوساخ وكثرة الحشرات الضارة، فحاولوا التخلص من الصرصار الكبير…

فرح الذباب بذلك كثيراً وساعد الناس على خلع الصرصار الكبير من عرشه. لوهلة، ولكي يسقط الصرصار الكبير، غيروا نبرة طنينهم ليشبه طنين الحشرات النافعة، لكنهم سرعان ما عادوا إلى طنينهم القديم ونشر السواد في البلاد.

بعد أن خُلع الصرصار الكبير، بدأت صراصير صغيرة تظهر في شتى أنحاء الأرض؛ كل منها تقول إن لها الحق في أن تحكم بديلاً عن الصرصار الكبير، وبدأوا يتصارعون مع الذباب…

وأثناء هذا الصراع أو قبله بقليل، ظهر صنف جديد من الذباب، أخضر اللون، بدأ ينافس الذباب الأسود، وقد كان طنينه مختلفاً قليلاً. احتارت الدبابير، فقسمت ولاءها بين الصراصير الصغيرة وشعبتي الذباب المتصارعة.

وهكذا اندلع الصراع الكبير، وصار الكل يتحارب مع الكل، والحشرات النافعة القليلة التي بقت على الأرض تلوذ بالصمت وتتقمص أشكال دبابير وذباب وصراصير مختلفة الألوان والأشكال، عسى ألا يشعر بها أحد…. ألا يشعر بها أحد…

*****
خاص بأوكسجين


كاتب من اليمن مقيم في ألمانيا.