الحلقة الأخيرة من تقديم وتلخيص المخرج والناقد قيس الزبيدي لكتاب “السيناريو: درامية فيلمية عملية” لمؤلفه بيتر هانت، ويمكن الرجوع إلى العددين 163 – 164 للتعرف على ما حملته الحلقتان الأولى والثانية من هذا التقديم والتلخيص.
يتم تجميع الصور المختلفة في مقاطع الحدث المنفردة التي تشكل هيكل القصة. وتصنف المقاطع وتنظم بينها علاقات متبادلة. ويمكن لكل مقطع أن يُوصف بإيجاز. ويُسهّل تدوين المقاطع المختلفة على بطاقات صغيرة مجرى العمل. إذ يمكن تغيير البطاقات أو إبعادها أو إضافتها، أما كتابة المقاطع بالتتابع على الورق، فيزيد من حجم العمل بشكل جسيم، لأن تتابع المقاطع المتغير باستمرار أثناء كتابة السيناريو يتطلب إعادة تدوين جديدة.
ومثلما تستند الخيمة الكبيرة على أعمدة مختلفة، تستند القصة على أربعة أحداث، تحمل بدورها دلالات بارعة.
وهذه الأحداث هي: البداية، ونهاية الفصل الأول (وجهة الحبكة الأولى)، ونهاية الفصل الثاني (وجهة الحبكة الثانية)، والذروة في نهاية الفصل الثالث. وحينما تتثبت النقاط الأربعة، يمكن عندها تحديد الخطوات، التي يمر بها السرد بين هذه النقاط.
ونثبت الأحداث الرئيسية الأربعة لفيلم TOOTSIE (إخراج سيدني بولاك 1982) كالتالي:
البداية (1): الممثل (ميشائيل دورسي) موهوب، لكنه صعب العشرة، لهذا لا يريد أحد العمل معه.
نهاية الفصل الأول (2): يقرر ميشائيل أن يتنكر كامرأة ليحصل على دور تمثيلي.
نهاية الفصل الثاني (3): يقع ميشائيل في حب زميلته الممثلة جوليا، ويسعى للتخلي عن دوره النسائي، لكن نجاحه فيه، لا يقود إلى فسخ العقد معه.
الذروة في نهاية الفصل الثالث (4): أثناء مقابلة تلفزيونية مباشرة يكشف ميشائيل عن هويته الحقيقية.
في البداية تحدد الذروة في نهاية الفصل الثالث، وحينما تتضح الخاتمة، يعثر المرء على نقطة ثابتة، ترتكز عليها القصة، وهي النقطة التي يحل عندها الصراع بمستوياته المتعددة. وعندما يصل المؤلف إلى الحل، تأتي النهاية بشكل منطقي وبالضرورة، لأن المتفرج يشعر، بدافع البداية وتتالي الأحداث، بأنه كان على الذروة أن تحصل قسرياً.
تبقى الأحداث التي تقع بين مسار البداية والنهاية، فإنها لا تقع نتيجة لتداخل الأسباب والنتائج، إنها إنما تقع نتيجة لتركيب من الأسباب التي تقود بالضرورة إلى الذروة في النهاية.
يستعين بعض المؤلفين بسرد قصصهم لأصدقائهم ومعارفهم، وهي طريقة يستعين بها المرء ليتعرف على مثالب قصته ويتحاشاها عند الكتابة.
إن تركيب الهيكل هو مرحلة مهمة وعسيرة في تطوير السيناريو. وقد يستغرق العمل اليومي المركز فيه عدة شهور.
غير أن تدوين المخطط في شكل موجز يسهل أمر تدقيقه باستمرار: والطريقة تتلخص في تفكيك المقاطع ووصف المشاهد السينمائية بواسطة مواصفات موجزة وواضحة لكل مقطع، أي لتخطيطات المشاهد المنفردة التي تعرّف بوضوح ببنية القصة وبالشخصيات.
ونورد مثالاً على شكل تخطيط المشاهد، كمقاطع أدبية موجزة ومتتابعة تتضمن مواصفات كل مشهد. والمثال مأخوذ من بداية فيلم TOOTSIE
1- داخلي. غرفة /صف مدرسة. نهار
ميشائيل يحاضر أمام طلبته حول العلاقة بين الممثل والنص والمؤلف
2- داخلي. منصة مسرح. مسرح مظلم. نهار
ميشائيل يتلو حواراً ركيكاً من مسرحية ضعيفة. ضوضاء ترتفع من قاعة المتفرجين المظلمة.
سؤال ميشائيل استفزازي: «معذرة، هل أشوّش على حديثكم؟».
3- داخلي؟ صف مدرسة. نهار.
ميشائيل يشرح لطلبته، كيف يمكن لممثل أن يتقن دوره.
4- داخلي. مسرح. نهار.
ميشائيل يمثل مشهد موت لتولستوي. المخرج يطلب منه تغيير مكانه على المنصة. ميشائيل يمتنع ويغادر المسرح.
5- داخلي. صف مدرسة. نهار
ميشائيل يحث طلبته، على ممارسة فن التمثيل.
6- خارجي. مطعم مانهاتن. نهار
زبائن يدخلون ويخرجون. يسمع صوت ميشائيل يخاطب طلبته، «أنتم ممثلون».
7- داخلي. مدخل مطعم. نهار
صاحب المطعم يرحب بالزبائن الوافدين.
يستمر صوت ميشائيل في الحديث إلى طلبته. «عليكم أن تفعلوا أي شيء، لتجدوا عملاً».
8- داخلي. مطعم. مطبخ. نهار
ميشائيل وزميله في الشقة جيف يعملان كحارسين. ميشائيل يسأل جيف، إن كان قد أنهى المشهد الأخير من مسرحيته
9- خارجي. شارع. ليل
ميشائيل وجيف يسيران في طريقهما إلى البيت. يتناقش الاثنان حول مسرحية جيف وكآبة ميشائيل.
10- داخلي. الشقة. السلم. ليل
جيف يخاطب ميشائيل. «قاوم كآبتك، بإرادتك كما أنت، وليس باعتبارك نادلاً رائعاً».
أمامنا بعدئذ طريقتان: إما الشروع في كتابة السيناريو فوراً، أو كتابة المعالجة السينمائية أولاً، وطولها المألوف يتراوح بين (40) و (60) صفحة. وتصف المعالجة الحدث وتسرد النص / البديل، وهذا يعني بيان أفكار وعواطف الشخصيات، أما الحوار، فإن تمت كتابته، فبإيجاز كبير. وتبدو المعالجة للوهلة الأولى مثل عمل إضافي لا لزوم له، لكن اللجوء إلى المعالجة، يوفر في واقع الحال، الكثير من العمل. فالمعالجة تعادل نصف حجم السيناريو. ويحتاج المرء لكتابتها، بالقياس إلى السيناريو، إلى زمن قصير نسبياً. وتتضمن كتابة المعالجة سير القصة ونية المؤلف تماماً. وحينما تُعّد المعالجة جيداً، نحتاج، عندئذٍ، إضافة الحوار المناسب أثناء كتابة السيناريو.
ومن يفضل كتابة السيناريو أولاً، عليه أن يتوقع إجراء تغييرات كثيرة، فلكي تتطابق القصة مع فكرة المؤلف، تحتاج إلى صياغات كثيرة ضرورية لتحقيق هذا التطابق. ونحن غالباً ما نقارن عملية كتابة السيناريو بعمل النحات الدؤوب على التمثال، حيث تبدأ كل طبقة بإزاحة الطبقة الأخرى إلى أن يُنجز الشكل المنشود. وحتى يوفق الفيلم وينجح، ينبغي أن يكون مثيراً، يحرك المشاعر وينقل المعرفة.