هُراء
ما أجملَ العالم
لو كان القمر هو الشمس
والسماءُ هي الأرض
ما أجملَ الظلام لو لم يكن هناك نور
ما أجملَ الجفاف
لولا المطر
والغيوم التي أصلها كائناتٍ بريّة
لكنها شنقتْ نفسها
ما أجملَ المطر
لو أن الهلالَ الخصيب لم يبكِ
والدموع حُبيباتٌ شطِّ العرب
ما أجملَ العالم
لو لم يحلم الحالمون
وما أجمل الخاسرين لو خسروا دوماً
ما أجمل العالم
لو كان التراجعُ هو التقدم
لو لم يستقر البشر قط
لو أن المدنَ مجردَ هلوساتٍ
والله ضبابيٌ أكثر
وكل شيء يسير إلى الوراء
والصوابُ يعني الخطأ
ما أجمل العالم
لو كان الأبيض أسود
والحزن سعادة
والسعادة لصوصاً
ما أجمل العالم
لو لم يكن لكلِّ شيء معنى
ما وُجِدَ محتالون
سنكون جميعاً متشابهين
ولا أحدَ على خطأ
لو أن العالم لكَ
لكان كل شيء هراء.
***
كيفية كتابة قصيدة
انتشل يدكَ من جيبك
واكتب مباشرةً بإصبعك
انظر إلى آلةٍ كاتبة في متحف
اشترِ لوحاً رقمياً مستعملاً
أو اعثر على دفتر يومياتٍ لشخصٍ مُطارد
واجلس في مقهى
حتى يأتيكَ إلهامُك
نمْ مع من تصادفها ودعها تكتب لك
انتقدي حبيبكِ ولكن طمئنيه
الكلماتُ لا تتحدث عنه
إنها مَجاز
اقضِ ليالٍ في المقبرة
تعرّف على جيرانك
رتّب مستقبلَ موتك
اقرأ كتبَ مدرستِكَ الثانوية
حتى تغلي بقلقِ المراهقة المنسية
قف أمام ميكروفون
حتى يأتي أحدُهم ويحطّم فكك
وإن نجوتَ
لا تمشِ مسرعاً
ولا تجرَّ قدميك فهذا ليس مناسباً
اطفُ
اشربْ حتى النسيان
وألقِ اللومَ على شياطينِ الفنان بداخلك
اكتب كلَّ خطايا والدتك
وانسَ خطايا والدك
امسِك قلماً حتى تظهر
وصمةُ عارٍ بين يديك
قلْ الحقيقة
لكن اخبرْ أصدقاءك أن
قصائدكَ ليستْ وجهة نظرك
لا تثْبِتْ تاريخاً
لا توقع باسمك
إنها مجردُ قصيدة.
***
إلى صديقي الشاعر
أقرأُ قصيدتكَ
أمرِّر لساني بين الكلمات
في الفراغاتِ بين الحروف
متأكداً أنَّ كلَ جملة هي بين أسناني
أعتصرُها
حتى لا أضيِّع قطرةً واحدة
أنشرُ كلماتكَ على حبلِ الغسيل
حتى لا تتسرب مياه الينابيع إلى لا مكان
بمجرد أن تجف
أطويها
وأسندُ رأسي إلى نقطة فيها
أو أتقوس بفاصلةٍ منها على مقعد
في يدي كتاب
أقرأ ولا أمَلّ
وإن خلا شِعركَ من علاماتِ التنقيط
أخالكَ تخبرني عني
وتحافظ على حرفتكَ لسنواتِ الأبدية
إشاراتكَ خريطة
بعلاماتٍ لن ننساها
تشير إلى كنزٍ قد نجده فينا
حينها أمدُّ يداً في الظلام
تصافح يدك
ويدل شعركَ الطريقِ إلى وجهته .
***
نخب الحياة
كلما عشتُ أكثر
كلما أصبحتُ مديناً أكثر
لكلِ شيءٍ أتذكره
ولكلِ شيءٍ أنساه
أشربُ قبل الصحو
أشربُ حتى أنام
أشربُ لِما يجب أن أنساه
وأشربُ لِما سأحتفظ به
أشربُ لكلِ من فقدتُه
أشربُ لِما وجدتُه
أشربُ عندما يجتمع أصدقائي
وعندما يغيبون
أشربُ عندما
تقُبلُ عليَّ الحياة
وعندما يتعثرُ بي الموت
أشربُ لأتنفس
دعني أطفو
لا أحتاجُ إلى أي شيء
لا مالَ
لا حبَ
لا هموم
العالم فوضى
دعِ الناسَ يستاؤون
إن كنت تشربُ أم لا
إن كنتَ ثملاً بسبب نكتةٍ أم إبادةٍ جماعية
إن كنتَ فرداً أم مَثلاً سائراً
في كلِ مرةٍ نلتقي
هناك محيطٌ تحتي
وفكرةٌ يمكن أن تهزمني
شربتُ لأكثرَ من أربعين عاماً
لم تكن الأفضل
لكنني سأشربُ طالما أنا هنا
مقيداً بالحياة
أبادلك الأنخاب
لا تأخذْ الأمورَ على محملِ الجَد
إنها دائمًا
الأشياءُ الصغيرة
تثيرك
تُغضبك
وتترككَ معلقاً
تشوّه عقلكَ
وعقلي
في صحتك.
*****
خاص بأوكسجين
شاعر من عُمان مقيم في المغرب. صدر له عن محترف أوكسجين للنشر "جيش من رجل واحد" (2023). من إصداراته "فَرْق الهواء" (1992)، كما نشر مجموعتين شعريتين إلكترونياً نهاية التسعينيات، هما توالياً: "حرَّاً كالخطأ" و"أخطر الألعاب أو غرام."
