تغري الأعمال الشعرية الكاملة لجورج أورويل الصادرة عن دار المدى (نقلها إلى العربية المترجم السوري عماد الأحمد) بإطلاق أحكام كالقول مثلاً ما من روائي أو ناثر عظيم لم يأخذه الشعر يوماً هوساً وانغماساً وتأليفاً، كما لو أنه يؤسس بذلك معبراً وطيداً إلى النثر، والذي بدوره متأسس على علائق لغوية لا تعوزها الكثافة ولا تنقصها الدقة، ولعل قراءة قصائد ناثر عظيم مثل أورويل هو دليل دامغ على ذلك، فهو بالشعر اكتشف فجأة “متعة الكلمات المجردة فقط، أي الأصوات والتوافق.”
إنه الكتاب المفاجأة واللقية – بالنسبة إلي على الأقل – فمع قصائده التي جمعتها وقدّمت لها ديون فينابلز تتكامل أقانيم أورويل الإبداعية، وفي القصائد يقع القارئ على الحس التاريخي الاستثنائي الذي احتكم عليه أورويل لكن شعراً، كذا هي سخريته، التقاطه المفاصل التاريخية وتفكيكها لنكون حيال أبواب مخلّعة، إلا أنها مشرعة في الوقت ذاته على مشهد شاسع مترام:
كتبت في 1940 أنني عند الحاجة
سأحارب كي لا يبقى النازيون في بريطانيا.
ولكن يا إلهي! كم صدم الناس الورديون! بعد سنتين
لم أكن هناك، ولكن شخصاً ما كان لديه الوقاحة الكافية
ليكتب ثلاث صفحات يطلق علي فيها صفة “خائن”،
يا لها إذن من جريمة سوداء أن يعشق المرء بلده.
ولكن أين الأشخاص الورديين الذي ظنوا أنه تصرف غريب مني
أن أكتب رفاً من الكتب في الثناء على سدوم؟
هذا المقطع مأخوذ من قصيدته المطولة ” من شخص غير مقاتل إلى آخر” المنشورة في هذا العدد من أوكسجين مع قصائد أخرى اختارها عماد الأحمد من ترجمته لأعماله الكاملة، والتي لن تكون بحال بالأحوال قصائد كثيرة، كما أن تقديم الكتاب من قبل بيتر دافيسون أو التقديم الموجز لفينابلز لا يضعان القارئ أمام توقعات كبيرة، ولكن ذلك غير صحيح، إذا يمكن العثور في قصائد أورويل على ما يجتمع مع شعراء عظام مثل أودن وحتى بريشت، ولي أن أعيد وأؤكد على الحس التاريخي الساخر الذي يجمعهم بينهم، ومع غياب الموسيقا عن القصائد المترجمة فإن هذا يفضي إلى نثرية تلتقي مع نثرية أورويل العظيمة، لكن بتكثيف شعري، وأسطر مشدودة ومتوثبة وخاطفة، ولي أن أدلل على ذلك بهذا الاقتباس من قصيدة “الجندي الإيطالي صافحني”:
لا تزال الكلمات البذيئة التي جعلتني أتقيأ
مقدّسة في أذنيه،
ولد عارفاً أصلاً
بما تعلمته ببطء من الكتب.
تحدثت البنادق الغادرة عن حكايته
وصدقناها.
يا إلهيّ! كل ما آمنتُ به كان زائفاً-
هل فكر أحد بذلك من قبل؟
حظ سعيد أيها الجندي الإيطالي!
لكن الحظ ليس للشجعان.
ماذا يعطيك العالم في المقابل؟
دائماً أقل مما تعطيه.
بين الظل والشبح،
بين الأبيض والأحمر،
بين الرصاصة والكذبة،
أين ستخفي رأسك؟
في مقدمة الكتاب ما يشير إلى العلاقة العميقة التي تربط أورويل بالشعر، مع التركيز على مقاله “الشعر والمايكرفون” وما صنعه في هذا السياق أثناء عمله في الراديو، إلا أن ما في الكتاب من قصائد محاطة بشروح كثيرة عن ملابسات كل واحدة تؤكد ما قاله “لقد امتلكت مهارة التعامل مع الكلمات ومواجهة الحقائق المؤلمة”، وهذا هو أورويل بحق، وليبقى السؤال أين هي القصائد التي كتبها إلى زوجته ايلين أشونيسي؟
اسم الكتاب
الأعمال الشعرية الكاملة لجورج أورويل
اسم الكاتب
جورج أورويل
الناشر
دار المدى