أنت خائف إذن أنت بدائي
العدد 264 | 14 أيار 2021
زياد عبدالله


 

أكتب تحت عنوان استفزازي، وربما استفزازي لي وحدي مع الاحتفاظ برغبة أن يستفز الجميع كما هي الكتابة عموماً، والنية أن أقدّم قراءة لكتاب هانس فينكلر “الرموز والطلاسم السحرية عند المسلمين” وقد صدر منذ أكثر من ثماني سنوات عن دار الورّاق (ترجمة محمود كبيبو ومراجعة وتعليق وتقديم صباح جمال الدين)، بحيث تأتي قراءتي له من باب الصدفة التي يقال إنها خير من ألف ميعاد، الأمر الذي بمقدوري المصادقة على صحته في القراءة، طالما أن كتباً بديعة كثيرة قرأتها أثبتت صحة هذا الاعتقاد، وتحديداً حين أتخلص من القراءة المنضبطة المتناغمة مع مزاجي تماماً، وأمضي أقرأ كل ما تقع عليه يدي، وهذا أمر طارئ يحدث حين أكون متخبطاً في الكتابة أو في الحياة وقد التبس علي أمرها وسادتها عدمية مزعجة.

على كلٍّ، أدع هذا جانباً وأمضي لا ألوي على تقديم الكتاب كاملاً فهذا أمر لا معنى له، وفيه دعوة إلى الكسل المستشري أينما وليت وجهي، فما من مراجعة لكتاب أغنت عن قراءة الكتاب كاملاً، وهذا أمر بديهي، لكنه يفوتنا أو نفوّته لننعم برغد الكسل، وما يهمني في هذا الكتاب أمر استفزني لا يتجاوز المقطع الصغير من كلّه الجميل الآخاذ وما إلى هنالك من صفات إيجابية! ولكي لا أطيل فإن صاحبنا فينكلر يقول إن الشعوب البدائية تعالج المؤثرات الحسية بطريقة مختلفة جوهرياً عن الطريقة التي نعالجها بها، وهنا يقصد الشعوب المتحضرة، والتي أدّعي خطأ أني انتمي إليها على شيء من الصلافة الفردية التي يتمتع بها المثقف في بيئة يعتقد واهماً أنه خارجها بمجرد أنه متمرد عليها، وبالعودة إلى فينكلر فإنه يقول أيضاً “الحياة الروحية لما يسمى الإنسان البدائي متأثرة إلى درجة قوية برد الفعل الانفعالي: فهو يصاب بسهولة بالاندهاش وميال إلى الخوف وتهدده الأخطار والمفاجآت غير المفهومة عند كل حركة ولا تعيد إليه هدوءه إلا بعض الحركات الطقسية التي تصل غالباً إلى أصغر الأشياء”.

حسبي هذا المقطع وأنا أجد فيه معبراً إلى مآزقنا التي نعيشها اليوم كل يوم: رد الفعل الانفعالي. الاندهاش. الخوف. اللجوء إلى طقوس متصلة بأصغر الأشياء. لن ننجو ما دمنا على هذا، ولن نعبر إلى حياة أخرى طالما أننا هكذا مأخوذين، تتولى أمرنا الجن “وفي كل مجموعة من مجموعاتهم توجد 70 ألف قبيلة، وكل قبيلة فيها 70 ألف عشيرة: ولو سقطت إبرة من السماء لسقطت في كل مكان عليهم”. و”العفاريت منهم يسكنون في الينابيع والكهوف، ويقيم الشياطين في الأماكن السكنية وعند المقابر (..) أما الطواغيت فينتظرون قرب الدم وحينما يسيل دم يجتمعون حوله، وعندما تسيل ولو قطرة دم واحدة يتهافتون من كل حدب وصوب أسرع من البرق الخاطف ومن الريح العاصف”.

وإن تأملتم ما نحن فيه ففي هذا بيانه، فنحن بدائيون يحيط بنا الخوف أينما ولينا وجهنا بدءا من الحسد والعين ونحو ذلك في الحياة اليومية الهانئة، وصولاً إلى الطواغيت وهم يجتمعون ما أن تسيل قطرة دم، فما بالكم وأنهار من الدم سالت وتسيل.  

اسم الكتاب

الرموز والطلاسم السحرية عند المسلمين

اسم الكاتب

هانس فينكلر

عدد الصفحات

304

الناشر

الورّاق


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.