خرجت بثينة إلى ساحة الدار حافية ومشعثة ومليئة بالدماء. وقفت مجهدة تنظر إلى السماء، وسألت الرب من دون خوف: لماذا خلقها إذا كان سيعذبها بهذه الطريقة؟!
في اللحظة نفسها كان زوجها بعيداً خارج المدينة يُقتل رمياً بالرصاص لسبب ما. لم يمت خائفاً! إنما كان يشعر بالحنين فقط!
على بعد جدار من بثينة، ولدت طفلة جميلة، جميلة جداً. كانت تنظر إلى الفراغ وترى كل شيء ولا تدركه. سمّوها نور.
وفي اللحظة نفسها، تفتحت وردة على شباك غرفة النوم، وغرّد عصفور على شجرة… وتابعت الأرض دورانها كأن شيئاً لم يكن..
***
أقسمت بثينة إنها سمعت صوت الجنين يبكي في بطنها. كانت تخبر زوجها المستلقي على ثلاثة كراسٍ باليةٍ في المطبخ وهي تحفّ سطح المجلى الأسود بشبكة خيوط معدنية بأن ذلك ينبئ بأن ابنها سيصبح حاكماً أو سياسياً أو على الأقل رجل دين. فلا يمكن لطفل يحمل كل هذا البؤس منذ مراحل تكوينه الأولى أن يكون شخصاً طبيعياً.
قال لها: “اصمتي! للجدران آذان!”
استدارت بعنف وهي تضغط على شفتيها وقالت: ” وأنا لي فم. ماذا سأفعل به؟ أحشوه برازاً!!”
ابتسم. شعر بأنه يحبها، ولكنه لم يَبح. هو دائما لا يبوح وهي دائماً لا تعلم. حتى في تلك المرات التي كانت تتذمر فيها بأنها لا تملك زمام أي شيء في هذا الكون ولا حتى نفسها، أو تفكيرها، قائلة ” إن الكلمة مهما فكرت بها جيداً لا تخرج من فمها من دون أن تسيطر عليها”. كان يود أن يقول لها بأنها تملك زمام قلبه
