29/2/2016
أربعة أرباع يومٍ مجزّأةٌ على أربع سنواتٍ تكتمل كلّما صار باقي التقسيم صفراً
سنةٌ مربوطةٌ بأربعة مفاصلٍ
تساوي إصبعاً زائداً في كَفّين بما فيه من تشاؤمٍ وخوفٍ وإقصاء
شهر الألعاب الأولمبية
شهر الهزائم والانتصارات والانتقام
دموع المركز الأول والنشيد الوطني
ابتسامة المركز الثالث أمام المصورين
صاحب الفضة فعل كل شيءٍ سوى أنّه لم يقفز إلى منصّة التتويج حين ذُكر اسمه
صَعدَ بهدوء المهزومين
لوّح إلى أشخاصٍ ينتظرون غيره
ابتسم في وجه من لا ينظر إليه
لم يبك
استدار ووقف باستعدادٍ وسمع نشيد بلدٍ آخر ثم صفّق بما يليق بملكٍ أُجبر على تسليم مفاتيح قلعته.
الملوك المهزومون لا يصفّقون.
/
شهر تصفية الحسابات بين قياصرةٍ صار الواحد منهم قيصراً
لمجرّد أنّه يرى العالم بعدسة غوغل
هكذا
من فوق:
مرتّبٌ وجميلٌ ومنتظمٌ
لا أهميّة فيه للتفاصيل.
“جوليان” أو “يوليوس” أو “جولاي” أو “تموز”
الفظهُ كيفما أردت
لا تلفظه بأية لغة
انساه لو شئت
أي شيء تفعله لن يُنقص أيامه الواحد والثلاثين.
“أغسطس”، أو “آب”،
“آب” يليق بشهرٍ حارّ
ولا يليق بابن أخت القيصر
أو بالقيصر القادم
“أغسطس” إذن
قويٌّ
وواضحٌ
وآمِرْ
ينزع اليوم الأخير من “شباط” ويضيفه إلى شهره
فيصبح ابن الأخت والخال متعادلين
أغسطس VS جوليان
والنتيجة شهرٌ يلهث كلّ مرّةٍ كي يصل إلى اليوم الثلاثين
ليُفاجَئ كلّ مرّةٍ بإصبعين ناقصين في العدّ تضافان إلى اليوم الزائد في بداية القصيدة.
لا أحد يكترث لصاحب الثمانية وعشرين يوم
لا أحد يهمه النقص فيه
حين تصل إلى هنا
تضحك من تروي لها الحكاية وتخبرك دون أن تنظر في عينيك:
لا يجب أن تبدأَ قصيدةً بالحديث عن سنةٍ كبيسةٍ
لا أريد أن أعرف متى صار شهراً
ولماذا وُضع بسرعةٍ في نهاية السنة
ومن جعله المسؤول عن إيواء اليوم الفارّ كلّ أربع سنوات
وكيف استدان أحد القياصرة يوماً منه وسجّله على الحساب
ومن هو صاحب المركز الثاني
و كيف تُبدّل كلمة
مجرّد كلمة
عرش الغطرسة باللون الأسود للعبيد.
لن تهمّني تفاصيل لا أحد
الريحان يذبل
ودموعي تجفّ
والبكاء في اليوم الثامن والعشرين
يشبه البكاء في أي يومٍ آخر
أريد أن أعرف لماذا حتى الآن
لم يسدّد ذلك القيصر دينه.
أمنية الجندي
“هؤلاء لا يعلمون كم هم خالدون، لكنني أعلم”
ويتمان
أن تتركَ رفيقكَ ينزف حتى الموت مثلاً دون المغامرة بكشف موقعك
أن تُغمض عينيك وتفتح فمك وتتجمّد حين يمرّ العدوّ أمامك وهو يتفقّد طرائده
أن تأخذ دور العدوّ أيضاً:
تختبئ في مكمنٍ آمنٍ
تنتظر اللحظة المناسبة
التوقيت أهمّ شيء –
إدخل الآن في صفوفهم
أصبحتَ واحداً منهم ولن يميّزك أحدٌ طالما الليل يخفي قلق عينيك
كلّ شيءٍ مباحٌ في سبيل أن تحيا – هكذا تقول –
وترى رفيقكَ يُذبَحُ أمامك
رفيقكَ يميّزكَ في الليل
يتعرّف عليك من انكسار وقوفكَ أمامه
لكنّه لا يتكلّم
يُثبّتُ عينيه فيك
وَ
يُذبَح
حين يتدحرج رأسه أمامك تصرخ:
” تكبييييير”
ثم تتجاوزه بهدوءِ قاتلْ
وتتفقّد رفاقك واحداً واحداً وتتفق معهم
هم لن يُدفنوا في مدنهم
وأنت لن تقول ماذا حدث بطريقةٍ كاملة
ستفقد عقلكَ ويتعاطف معك الآمنون
ولن يصدّقوا حتى كلامك الناقص.
الحقيقة أنّكَ لم تتفق مع أحد
ورأسه لم يتدحرج بين قدميك
ولم يُثبّت عينيه في عينيك
ولم تنكسر أمامه
لم تدخل في صفوف العدوّ
ولم تترك رفيقك ينزف أمامك حتى الموت
هو لم يُذبح أصلاً
كانت خدعةً لأجلس في حضن قارئي
وهو الآن بقرفه من الفكرة
بزمّ شفتيه وإزاحة نظره إلى المطبخ مثلاً أو الجدار
وقلب الصفحة أو ربما رمي الكتاب
بهذا المزاج القادر
بقدرته على اتخاذ هكذا قرار:
أن يَمَلَّ
ويتوقف عن القراءة
ويرمي الكتاب
ثم يقول لأصدقائه أنني شاعرٌ رديءٌ
ويمتنع عن قراءة الشعر خمسة أيامٍ متواصلة.
هذا المزاج
هذه القدرة على اتخاذ القرار
هو كلُّ ما حلم به الجندي صاحب الرأس المقطوع قبل أن يُذبح بليلتين:
” أتمنى أن أكون قادراً على قلب الصفحة برأس إصبعي هذا”
-لم يُشر إلى الوسطى –
——————
القصيدتان من كتاب صدر أخيراً للشاعر بعنوان “ثياب سوداء في خزائن الحي” وذلك عن دار أرواد في طرطوس – سورية.
*****
خاص بأوكسجين