الوردة بدون لماذا
هي تزهر لأنها تزهر
لا تكترث بذاتها
ولا تسأل إن كان يراها أحد
أنجيلوز زيليزيوس
(متصوف ألماني من القرن السابع عشر)
بدون لماذا هذه الوردة
I
وقفتَ. وأنصتَّ كما ينصت المنصتونَ إلى نجمةٍ في أعالي السماءِ
توشوش ماهو أقرب منكَ إليكَ. سمعتَ السؤالَ. تلفتَّ حولكَ. كنت وحيداً
على جبلٍ لا سماؤك فيه سماء ولا الأرض أرض. وكان السؤالُ
ينادي السؤالَ وراء حدود الحدود جميعاً،
وكان السؤالُ يجيب السؤالْ
.. فكيفَ تنامُ
وكيف تُفيقُ
وكيف تروحُ
وكيف تجيءُ
وأنت تقولُ بإنك تعرفُ أن البدايةَ
دون بدايةْ
وأن النهايةَ دونَ نهايةْ
وأنك أنتَ النهايةُ أنتَ البدايةُ
على هذه الأرضِ
لا في سماءٍ
ولا في جنانٍ
ولا في جحيمٍ
ولا في أمامٍ
ولا في وراءٍ
وراء الوراءْ
II
إله الحديقة أنتَ تقولُ
وإنك إبنٌ لإبْنٍ
وجدٌ لجَد
وسرُّكَ سرٌّ
ولا سرَّ لَهْ
زرعتَ
سقيتَ
رعيتَ
حصدتَ
تموراً وخبزاً أكلتَ
وثم قطفتَ وروداً شممتَ
وحين شممتَ انتشيتَ
وحين انتشيتَ احتميتَ
بنفسكَ تحت ظلالِ الربيعِ الوريفْ
وسبَّحتَ باسمكَ
واكبتَ حلمكَ
حتى أتاك الخريفْ
….
حديقتُك الكونُ، قلتَ،
وأنت إلهُ الحديقةِ وحدكَ، قلتَ
فقل لي
بأيَّ آلاءِ وجدكَ سوف تسبِّحُ
حين بزوغِ العصافيرِ عند اخضرارِ الصباحِ
وأيَّ كلامٍ ستختارُ،
قُلْ لي،
لتغريدةٍ واحدةْ
III
وقال على عجلٍ شهريار
أما جئتُ مثل سوايَ إلى الأرضِ
حوّاءُ ضلعي
وكلُّ البلادِ بلادي
وكل القبائل نسلي وأهلي
ومن رحمِ حواءَ جاؤوا
وباسمك جئتُ
وباسمك أمضي إلى حيثُ جئتُ
وباسمك عمَّرتُ
باسمك دمرتُ
باسمك قربتُ
باسمك أبعدتُ
باسمك أمطرتُ
باسمك أجدبتُ
باسمك أنعمتُ
بكل جديدٍ وكل قديمٍ
وكل جميلٍ وكل قبيحٍ
فمن يزرع القحط في كرمنا
ومن يسكب السم في نبعنا
ومن يجدل الشوك تاجاً لنا
…
IV
وباسمك يا حلمُ باسمي أروحُ
على قدميَّ
إلى وردٍة في الحديقةِ دون لماذا
رويت براعمها باليدينِ
فيقنعني العطرُ بالمستحيلْ
حوار مع الموت المعلن
يتقدم مني الموتُ/
أراهُ/
أقول له لاتتعجلْ/
مازال لديَّ أمورٌ لم أنجزْها/
فيقول سينجزها غيرُك يوماً/ لست وحيداً فوق الأرضِ/
أقول لدي نصوصٌ لم أكتبْها/ فيقول سيكتبها غيركَ
بعد رحيلكَ في الفجرِ/ أقول أنا
لا يعزفني أحدٌ غيري/ فيقول تعففْ/
لا يوجد نصٌ أصلْ/ لا يوجد قولٌ فصلْ/
فأقول ولكني البحرُ لأني القطرةُ في الموجةِ
لا موجة دوني لا بحرْ/
فيقول بخبثٍ ملحوظٍ/ نصفُكَ إبليسٌ والنصفُ ملاكْ/
فبأيِّ النصفين الآن تُراكْ/
فأقولُ
ولا أعرفُ ما قلتْ
*****
قل للقصيدة
يالها من أزمنة
تلك التي يكاد يعتبر الحديث فيها عن الأشجار
جريمة.
بريشت
I
جف دم القصيدة
بشرتها المشدودة كجلد طبل تجعدت
إنها الأرض هذه القصيدة
مزقتها الحناجر
والخناجر
II
القصيدة جابت العالم من محيط إلى محيط
ومن رصيف إلى رصيف
القصيدة تكسرت على إسفلت صلد
وقفت على أعتاب السجون والمنافي
وقبضتها مرفوعة
في فراغ
III
لكن الجوع هو الجوع
لكن الحزن يخثر الدم في الشرايين
لكن الإمبراطوريات هي الإمبراطوريات
والطغاة هم الطغاة
والحاشية
هي الحاشية
والمهرجون هم المهرجون
الأفاعي وحدها تغير الجلود
IV
حقاً
إننا نعيش في أزمنة مظلمة
كما عاش غيرنا قبلنا وسيعيش بعدنا
وسوف نبقى نتكلم ونتكلم
دائماً وأبداً
عن الشجر والمحبة والمودة
دون أن يكون هذا الكلام
جريمة لا تغتفر
V
قل للقصيدة
للقصيدة وحدها
قل لها
كوني نحلة فقد تكون
وقد تقفز من بنفسجة إلى سوسنة
من فلة إلى ياسمينة
من شاطئ إلى شاطئ
ومن قلب إلى قلب
بخفة نحلة دؤوب
*****
خمس جمل عن بريشت
– 1 –
يصبر، نافد الصبر، على اللحظة الصعبة.
وينتزع النظرة الغائمة
من التمترس في خندق الآني.
– 2 –
يكسر قيود النفي
باحثاً عن النتيجة المركبة.
ويفجر الألغام في مخابئ الرضا المحصنة
متشككاً بشكوك المتشككين.
– 3 –
يحلم يقظاً
بعالمٍ أفضل، هناك،
حيث تزهر النبتة النادرة
على رأس جبل
كاليومي
في كل كلمة مكتسبة
في كل حفنة حصاد
في كل بيت يبنى
كي يسكنه من يبنيه.
– 4 –
لا،
أبداً،
ليس هناك،
حيث تقدم سلَطَةُ الثقافة
ممضوغة بأسنان مسنونة
على صحن من الكريستال
إلى الرجل ذي السمات اللطيفة المطمئنة.
– 5 –
وليس هناك
حيث يتطاول منتصراً دخان الغضب
وقفزة الرعب نحو العدم
________________________
ولد عادل قرشولي في دمشق عام 1936. وغادر سورية عام 1959 إلى بيروت، ثم إلى ألمانيا وهو يقيم في مدينة لايبزغ منذ 1961. حصل على الدكتوراة عن أطروحة حول مسرح برتولت بريشت. وعمل من عام 1969 حتى عام 1993 أستاذاً محاضراً في جامعة لايبزغ. ثم تفرغ للكتابة. يكتب باللغتين العربية والألمانية ويترجم عنهما. شغل منصب رئيس فرع اتحاد الكتاب الألمان في لايبزغ. ترجمت قصائد له إلى لغات عدة. ومنح عدة جوائز، منها جائزة “مدينة لايبزغ للأدب”، وجائزة “أدلبرت فون شاميسو”.
“بدون لماذا هذه الوردة” و “حوار مع موت معلن” كتبتا أصلاً بالعربية، بينما “خمس جمل عن بريشت” فمأخوذة عن مجموعة “عناق خطوط الطول” 1978، ونشرت “قل للقصيدة” في أنتولوجيا “يتفتح التعتاع في النعناع” 2007، وكلاهما بالألمانية.
الصورة من أعمال الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي
*****
خاص بأوكسجين