هاروكي موراكامي: عزلة رجال بلا نساء
العدد 160 | 18 تشرين الأول 2014
ترجمة: أماني لازار


تريزمان: تروي “شهرزاد” (المترجمة في هذا العدد من أوكسجين، يُنصح بقراءة القصة ومن ثم هذا الحوار) قصة رجل عالق في منزل لا يمكنه مغادرته، حيث تزوره امرأة مرتين في الأسبوع وقد جرى التعاقد معها لتزويده بالطعام والحاجيات، وقد تكون أيضاً حاضرة من أجل احتياجاته الجنسية. ولا تخبرنا القصة مطلقاً عن السبب الذي يمنع ذاك الرجل الذي يدعى هابارا من مغادرة المنزل. هل تعلم؟ 

موراكامي: آسف، لكني لا أعرف الظروف الدقيقة التي أودت إلى هذا الوضع تماماً، إلا أنني بالطبع، أملك بعض الأفكار حول ما قد يكون السبب، لكني أتوقع أن قرائي لديهم أيضاً بعضاً منها. أنا لا أسعى لجعله سراً كبيراً-في الواقع، أفكر أنك إذا ما جمعت فرضياتهم وفرضيتي مع بعضهم البعض ستحصلين على شكل مهم من أشكال التواصل بين المؤلف والقارئ. لأن السبب الذي أودى إلى حالة هابارا ليس هو المهم، لكن بالأحرى كيف سنتصرف نحن أنفسنا إزاء مثل هذه الظروف.

تريزمان: تروي المرأة التي لقبها هابارا بشهرزاد الحكايات له بعد أن ينتهيا من ممارسة الجنس. تقطع دوماً حكاياتها عند نقطة حاسمة، تاركةً إياه معلقاً حتى زيارتها المقبلة. بطريقة ما، أنت تفعل الشيء نفسه بنا، تنهي هذه القصة بدون السماح لنا بسماع بقية حكايتها. لماذا تحبط القارئ بهذا الشكل؟

  موراكامي: هذه واحدة من أكثر التقنيات أساسيةً في رواية القصص، التي تجذرت على مدى آلاف السنين. في الواقع يمكنني تخيل ذلك، لعشرات الآلاف من السنين، مجموعات من الناس محتشدين حول النار في كهوف مظلمة يستمعون طربين إلى الرواة الذين استعملوا هذه الطريقة تماماً. بالطبع أنا أحب سماع مثل هذه القصص.

تريزمان: هل سيكون هناك تتمة؟

حقيقة ليس لدي أدنى فكرة. كل مرة أنهي بها قصة قصيرة، أفكر، حسناً ها قد أنهيت واحدة. بعدئذٍ أي بعد عدة سنوات أكتشف بأني ربما قد أكون قادراً على تحويل قصة بعينها إلى شيء ما أكثر من ذلك. في تلك الحالات، غالباً ما تصبح رواية طويلة. ” الغابة النرويجية” كانت كذلك، كما كانت “سجلات الطيور البرتقالية”. ومع ذلك كان على   قدر معين من الزمن أن يمر قبل أن أعرف أي قصة قصيرة يمكن تطويرها أكثر وأيها ستظل كما هي عليه. “شهرزاد” مادة واعدة، عليَّ الاعتراف بذلك.

تريزمان: تتقاطع حيوات هاتين الشخصيتين بشكل يبدو عشوائياً أو جراء نزوة من شخص غير مسمى، ما الذي جعلك تفكر برميهما معاً في هذه الحالة؟

  أحيانا أفكر بأنا كلنا في صميم قلوبنا قد نسعى لواحدة من هذه الحالات، حيث لا نمارس إرادتنا الحرة وتقريباً يكون كل شيء مسيطر عليه من قبل شخص آخر، حيث لا بد لكل يوم أن يعاش وفقاً للشروط التي يحددها ذلك الشخص. ربما هناك أناس فعلاً يعيشون هذا النوع من الحياة إلى حد أكبر أو أقل، بدون علمهم حتى. البعض قد يرفض هذه الطريقة في العيش باعتبارها “سلبية”. ليس لدي اهتمام في مثل هذه التفسيرات الحتمية، الذي يثير اهتمامي هو محاولة الكشف عن هوية من أخفى ذلك بشكل حاذق في تراكم مثل هذه العمليات السلبية.

أنقذت شهرزاد حياتها في ألف ليلة وليلة بإخبارها الحكايات، هنا يبدو أن هابارا هو الشخص الذي يحيق به الخطر، هل شهرزاد هذه تنقذه؟

 لا أعلم، لكن بالتأكيد لا تبدو الأمور جيدة جداً بالنسبة لهابارا. لو كان هو جاك ريتشر، فقد كان ليقتل خمسة عشر شريراً ويمشي نحو الغروب، لكنه ليس هو.

تقول شهرزاد لهابارا بأنها كانت ثعبان البحر في حياة سابقة. تقتل ثعابين البحر فريستها بالتشبث بها وتتغذى عليها ببطء. هل هذا ما تفعله شهرزاد بهابارا، تجعله بحاجة إليها ببطء؟

 لا أعلم. شهرزاد هي أحجية بالنسبة لي، وأيضاً ما تفكر به، ما تتطلع إليه. الأمر الذي أعرفه هو أنها ترسل لهابارا نوعاً من رسالة. هي تحاول نقل تلك الرسالة من خلال القصص التي تحكيها له، ومن خلال جسدها أيضاً. ربما لا يمكن أن تنقل رسالتها بطريقة أخرى.

هل تؤمن بالحيوات السابقة؟

هذه الحياة وفيرة. ليس لدي رغبة بحيوات مستقبلية أو سابقة. بعد موتي أتمنى أن أنام بسلام.

إذا كانت شهرزاد ثعبان البحر، الذي يعتمد على مخلوقات أخرى من أجل بقائه حياً، يشير هابارا إلى نفسه على أنه جزيرة معزولة، معزول ومكتف بنفسه.  هل تراه بتلك الطريقة؟ هل بإمكانه أن ينجو بدون تواصل انساني؟

هابارا رجل عاش منعطفاً لا رجعة عنه في حياته. كانت نقطة تحول أخلاقية، أو قانونية، أو كانت مجازية، رمزيةعلى قدر نفسي؟ هل انعطف طوعاً، أو أن أحد ما قد أجبره؟ هل هو راض بالنتيجة أم لا؟ ليس لي علم بأجوبة أي من هذه الأسئلة. المهم أنه انعطف. ورغم ذلك، أصبح جزيرة معزولة، الأشياء لا يمكنها أن تعود إلى الشكل الذي كانت عليه، بغض النظر عما يفعله، أظن أن ذلك هو الجانب الأكثر أهمية في القصة.

أيهما كنت تفضل أن تكون ثعبان البحر أم جزيرة معزولة؟

ثعبان البحر، بالطبع.

كانت قصة “شهرزاد” من ضمن مجموعة قصص نشرتها مؤخراً في اليابان بعنوان “رجال بلا نساء”، كلها تشتمل على رجال بدون نساء، أو على رجال خسروا نساءهن، ما الذي أوحى إليك بكتابة هذه السلسة؟

ما أتمنى أن أوصله في هذه المجموعة باختصار، هو العزلة، وما تعنيه عاطفيا. رجال بلا نساء هي مثال ملموس عن ذلك. العنوان خطفني أولاً، بالطبع ظهرت مجموعة قصص قصيرة لهمنجواي بنفس العنوان) وتتابعت القصص، أتت كل قصة من التذبذب الذي أنتجه العنوان. لماذا رجال بلا نساء، لا أعلم، بطريقة أو بأخرى، ترسخ ذلك العنوان في ذهني بنفس الطريقة التي تحل فيها البذار التي في مهب الريح في أحد الحقول وتنمو.

___________________________________

أجرى اللقاء ديبورا تريزمان، وترجم الإجابات عن اليابانية تيد جوسين. اللقاء منشور في مجلة “النيويوركر” بتاريخ 6/10/2014

 

الصورة من أعمال السينمائي والفنان التشكيلي السوري رائد زينو

*****

خاص بأوكسجين