جناح التاريخ المكسور
بتوقيت الرصاص، قضى عن عمر لا يتجاوز التاسعة عشرة. قبل الرصاصة كان شاباً ينطلق باتجاه الحياة التي تهرب مراوغةً لنافذة شخص آخر. بعد الرصاصة انطلق في الاتجاه الغامض للمصير، وعاشت البندقية التي ولدت قبله وقتلته حياة طويلة وواضحة، وجدت فيها من يمدحها باسم البطولة والانتصار، ثم كرمت بمكان لها في المتحف الوطني للأسلحة التاريخية، وهنا تعقدت سيرتها الذاتية أكثر ما بين النصر أو الشهادة، وما بين سرقتها التي عدها القانون جريمة وما بين ضحاياها الذين ذهبوا إلى النسيان، وما بين حالها في الدنيا وحالها في الآخرة. أما القاتل فلم تعد له الأهمية ذاتها التي للمتحف والبندقية، أما هو فقد كان موته بسيطاً أكثر من حياته، لم يثقل جناح التاريخ المكسور ولا أجنحة القانون المهيضة، مات بعده على التوالي حذاؤه المستهلك حين أعطي لفقير، وانتهت إلى خرق ملابسه التي ارتداها شقيقه الأصغر، وقبل أن تتحلل أغشيته في التراب بشكلٍ كاملٍ، أخذ أصدقاؤه كتبه، بينما احتفظ الجدار بصورته مبتسماً داخل حوض للسباحة، حتى أطاحت الرطوبة بالجدار، ونالت من الابتسامة ومنسوب الماء في الحوض أيضاً، فيما عاشت أمه بعده عاماً ونصف العام جنباً إلى جنب مع إطار الصورة، تسأل الفراغ : لماذا صنع الله الحياةَ هشةً، حتى أن رصاصة صنعها إنسان تنهيها؟
وفي نصف العام الذي لم تعشه، تزوج والده -حسب نصيحة العقلاء- ليجد الدفء والطعام وأحداً ما يكافح به رطوبة البيت وفراغه، فيما حفل الإطار بصورة القفص الذهبي وبدأ السباحة في مضمار آخر.
حين تثقب الرصاصة الجسد، تثقب معه أشياء كثيرة لم تكن موجودة مباشرة في وجهها، وتظل الأشياء تثقب بعضها إلى أن تتوقف في برهة ما، ليس لعيب في جودة الرصاصة، إنما لأن الأشياء والأشياء انتهت.
معلومات لا يجب نشرها عن الحظ
لو أن لي حظا لكنت الفأس وليس الشجرة
لكنت الموت وليس الميت
لكنت الرجل وليس المرأة
لكنت الحاكم وليس المحكوم
لكنت الصياد وليس الفريسة
لكنت العيد وليس الأضحية
لكنت الحظ وليس سوء الحظ
لكنت الإبرة وليس الوشم
لكنت الصنارة وليس السمكة
لكنت الأرض وليس الفلاح
لكنت البحر وليس البحار
لكنت السماء وليس الطائر
لكنت اللحظة حين تنجو
الحمامة من العُقاب
والرقبة من السياف
والحادث من الحديث
والأرض من الطوفان
والقدم من الانزلاق
لو أن لي حظا لما كان بعضي من بعض الثمرة
ولكنت الذي يفعل كل شيء ولا يضيره مما فعل شيء!
______________________________________
كاتبة من ليبيا
الصورة للمخرج المصري عمرو بيومي
*****
خاص بأوكسجين