ليس كلبنا ولهذا ينبح علينا
العدد 162 | 27 تشرين الثاني 2014
ليديا ديفيس /ترجمة: شادي خرماشو


شعر الكلب 

رحل الكلب… كم نشتاق إليه! عندما يرن جرس الباب، لا نسمع نباحه. عندما نعود إلى المنزل في وقت متأخر من الليل، لا نراه في انتظارنا. ما نزال إلى الآن نجد بعضاً من شعره هنا وهناك في زوايا المنزل، ونرى بعضاً منه على ملابسنا. نلتقطه. العقل يقول إننا يجب أن نتخلصّ منه ونرميه، لكنه كل ما تبقى لنا منه. لهذا نحتفظ به… نخبئه. يسكننا أمل مجنون بأننا لو جمعنا ما يكفي من شعره، سنكون قادرين على إعادة خلقه ليعود إلى حياتنا مرة أخرى…

 

قصة لا نهاية لها  

في وقت مبكر من صباح كل أربعاء، تصدر من الشارع ضجة مزعجة. توقظني دائماً، ودائماً أتساءل ما تكون. ودائماً تكون هذه الضجة صادرة عن شاحنة جمع القمامة وهي تجمع قمامة الحي. دائماً تأتي هذه الشاحنة في وقت مبكر من صباح كل أربعاء. ودائماً توقظني. دائماً أتساءل ما هي يا ترى تلك الضجة التي تصدر من الخارج صباح كل أربعاء…

 

بلومينغتون 

الآن، وبعد أن مضى على وجودي هنا وقت لا بأس به، أستطيع القول بكل ثقة أنه لم يسبق لي أن كنت هنا من قبل!

 

صاحية في الليل 

النوم يجافي عيوني. أنا هنا، في غرفة الفندق هذه، في هذه المدينة الغريبة. الوقت متأخر جداً. إنها الثانية صباحاً، وبعد قليل سيشير العقرب إلى الثالثة، وستصبح الرابعة عما قريب. ها أنا مستلقية في العتمة. ما الذي يحدث لي؟ ربما أكون مشتاقة إليه… إلى هذا الشخص الذي ينام بقربي. بعد ذلك، يتناهى إلى سمعي صوت باب يُغلق في مكان مجاور. نزيل آخر يأتي إلى الفندق في هذا الوقت المتأخر جداً. الآن وجدت الحل. سأذهب إلى غرفته، وأستلقي في السرير بقربه، وأكف عن الشوق، وأغفو…

 

احتمال  

كان من الممكن أن يكون كلبنا 

لكنه ليس كلبنا 

ولهذا ينبح علينا…

 

احتمال 2 (يواجه المحتوم)

كان من الممكن أن يكون زوجي 

لكنه ليس زوجي 

هو زوجها هي

ولهذا يلتقط صوراً لها هي “وليس لي”، وهي من يرتدي الفستان الصيفي المزهّر، ويقف أمام القلعة القديمة.

 

الكلب 

نحن على وشك مغادرة منزل فيه حديقة كبيرة مليئة بالأزهار، وفي وسطها نافورة. بينما كانت السيارة تسير مبتعدة نظرت من نافذتها، رأيت كلبنا مضطجعاً على عربة صغيرة في ممر المنزل الذي يكتنفه بعض الظل. كان يدير ظهره لنا مستلقياً دون حراك. حول عنقه أرى زهرتين، واحدة حمراء والأخرى بيضاء. أشيح بنظري عنه قليلاً، وأعود للنظر إليه من جديد… أريد أن ألقي عليه نظرة أخيرة. أرى الممر الظليل خالياً. خلال تلك اللحظة التي ابتعدت فيها بنظري عنه اختفى: لحظة واحدة أتت قبل أوانها ذهبت به بعيداً… 

            حلم 

الجدّة 

أتى شخص إلى منزلي يحمل بيده فطيرة دراق ضخمة. قَدِم معه أيضاً بعض الأشخاص، من بينهم امرأة عجوز تعاني من حصوات الكلى، وكانوا قد وجدوا صعوبة كبيرة في حملها إلى المنزل. ونحن جالسون إلى المائدة، تراها تراقب أحد الرجال، ومن طريقة حديثها تعرف أنها معجبة بأسنانه. هناك رجل آخر لا يكف عن الصراخ في وجهها، لكن لا يبدو عليها أنها خائفة منه، إلا أنها تنظر إليه بحقد. لاحقاً في ذلك اليوم، وبعد أن ذهبت إلى منزلها، تبين أنها أثناء تناول الكاجو من السلطانية، قد أكلت سماعة أذنيها. وعلى الرغم من أنها استمرت بمضغها لساعتين تقريباً، إلا أنها لم تتمكن من طحنها إلى حبيبات صغيرة يسهل ابتلاعها. وهي في سريرها، وقبل أن تخلد إلى النوم، بصقتها في يد الممرضة التي تتولى العناية بها، وقالت لها إن المكسرات التي قدموها لنا كانت رديئة جداً.

 

امرأة في الثلاثين 

امرأة في الثلاثين من عمرها لا تريد أن تغادر منزل طفولتها. تقول: ما الذي يدفعني إلى الرحيل عن منزلي؟ هؤلاء أهلي. أهلي يحبونني. لماذا أتزوج رجلاً ينغص علي حياتي، ويجادلني، ويصرخ في وجهي؟ 

لكنها، هي نفسها المرأة الثلاثينية التي لا تريد مغادرة منزل طفولتها، تحب أن تتعرى كل يوم أمام النافذة علّ رجل ما يمنحها، على الأقل، نظرة إعجاب… 

عشاء

يأتي إلى المنزل بعض من أصدقائنا لتناول العشاء وأنا ما أزال في السرير. سريري موجود في المطبخ. أنهض لأرى ما الذي يمكنني تحضيره لهم. أعثر على ثلاث أو أربع رُزم من الهامبرجر في الثلاجة، بعضها ما زال مختوماً، وبعضها مأكول نصفه. أفكر بوضع كل قطع الهامبرجر معاً لإعداد رغيف لحم. قد يستغرق هذا ساعة من الزمن، لكن لا يخطر في بالي شيء آخر. أعود إلى السرير من جديد لأفكر في الأمر.

           حلم

الرواية الرديئة 

تلك الرواية الصعبة والمملة التي أحضرتها معي لأقرأها على طريق رحلتي! لا أكف عن محاولة قرائتها. أقرأها وأعيد قراءتها مرات عديدة. وفي كل مرة أتوجس منها، ولا أجدها أفضل من المرات السابقة. أشعر أنها قد أصبحت شيئاً ملتصقاً بي وكأنها ذكرى قديمة أو صديق من أصدقاء الطفولة. تلك الرواية الرديئة أصبحت لي صديقة.

____________________________

المقاطع المنشورة هنا هي مختارات من مجموعتها  الصادرة مؤخراً  تحت عنوان “لا أستطيع ولا أريد”  can’t and won’t.. 

[ولدت ليديا ديفيس في 15 يوليو من العام 1947، وكان ذلك في ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأمريكية. كان والدها يعمل ناقداً وأستاذاً محاضراً في اللغة الإنجليزية، ووالدتها كاتبة قصة قصيرة ومدرّسة. وعلى الرغم من أن الموسيقا كانت عشقها الأول، وخاصة العزف على الكمان، إلا أن حمى الكتابة انتقلت إليها وأصبحت شغفها وعشقها الأوحد. في العام 1974 تزوجت من الروائي بول أوستر وانجبت منه ابناً أسمته دانييل، لكن زواجهما انتهى بالطلاق، وهي الآن متزوجة من آلان كوت، ولها منه ابن آخر. 

على الرغم من أن ديفيس تكتب الرواية أيضاً، إلا أن ما أكسبها شهرتها وجوائزها الأدبية على حد سواء هو ما ارتكبه قلمها الذكي والخاطف من قصص قصيرة تميزت بالإيجاز وروح الدعابة والحس الساخر. وينظر البعض إلى هذه القصص على أنها نمط أدبي جديد هجين يجمع بين الفلسفة والشعر والقصة القصيرة ويصبها في قالب إبداعي واحد. وبالإضافة إلى عملها ككاتبة وروائية، قامت ليديا ديفيس أيضاً بترجمة أعمال لكتّاب مشهورين أمثال مارسيل بروست وغوستاف فلوبيرت وغيرهما. 

نشرت ديفيس العديد من المجموعات القصصية، من بينها: “أسفل الكسر”، و”المرأة الثالثة عشرة”، و”تقريباً لا توجد ذاكرة كافية”. وقد تمكنت من حصد العديد من الجوائز الأدبية، من أهمها جائزة البوكر، وجائزة هيمنجواي «القلم»، وأفضل قصة قصيرة أمريكية عن قصتها “سانت مارتن”، والكثير من الجوائز الأخرى.

____________________________________

الصورة من أعمال الفنانة والممثلة السورية نجلاء الوزة التي انتحرت في جنوب إفريقيا.

*****

 

خاص بأوكسجين