قتلها تذكرة للجنة – جحيم الإسلام السياسي
العدد 160 | 18 تشرين الأول 2014
زياد عبدالله


تواصل المخرجة اليمنية خديجة السلامي توثيقها الحياة السياسية والاجتماعية في بلدها اليمن، ودائماً عبر روح نقدية متوثبة تلتقط الراهن لتضيء على جوانب معتمة، أو مساحات لا يراد لها أن تشوش على السائد والمتفق عليه، ولعل جديدها “قتلها تذكرة للجنة” على اتصال بفيلمها السابق له “الصرخة” من حيث مقاربتها “الثورة اليمنية” ومآلتها ودائماً عبر مصير المرأة اليمنية.

فإن كانت السلامي في “الصرخة” قد رصدت ما آلت إليه أحوال ثلاث نساء يمنيات شاركن في الثورة، وكيف انقلبت الأحلام إلى كوابيس جاءت نتيجة انقضاض الحركات الإسلامية على هذه الثورة وتطويبها وفق مصالحها الرجعية، فإنها في “قتلها تذكرة للجنة” تتناول قضية بعينها، قضية كاتبة هي بشرى المقطري ومقالها الشهير “سنة أولى ثورة” الذي كُفّرت بسببه، وأصبحت تلعن على المنابر والمساجد ومواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي، وصولاً إلى صدور فتوى ضدها وقّع عليها أكثر من 70 فقيهاً، وقد أطلقت المظاهرات التي جاءت استجابة للدعوات التحريضية ضدها وهي تهتف تحت بيتها “لا إله إلا الله بشرى عدوة الله”.

تناول هكذا قضية حولت الفيلم إلى وثيقة على مستويين، المستوى الأول بشرى المقطري وقضيتها وكيف للتهديدات أن تحاصرها من كل جانب، واصرارها على البقاء في اليمن وتحركها ومواصلتها نشاطها السياسي، وعدم تراجعها عما كتبته في مقالها الذي يرصد مآلات الثورة وخطف الحركات الاسلامية السياسية له، رغم كل ما يطالها من تشويه لسمعتها بما في ذلك تلفيق أفلام اباحية عنها واستخدام كل ما لا يمت للأخلاق بصلة للنيل منها، وبالتالي فإن ذلك يطال أيضاً المحيطين بها من الأهل والعائلة كما سنعاين في الفيلم،  والمستوى الثاني المرتبط بالتأكيد بالأول، المنطق التكفيري وآلياته، والكيفية التي يوظف فيها الدين لغايات سياسية، وذلك بتحويل الدين والفتوى إلى أداة تعبوية للقتل وهو أبشع الشرور الانسانية، والتي لا تنجح إلا لكون الجهل هو ما يتسيد الشارع، حيث اللعب على العواطف الدينية ينجح تماماً لدى الجهلة الذي لا يتسألون ولا يتحرون، لا بل إن الأدوات التي تمكّنهم من القيام بذلك مفقودة لديهم وهي بالتأكيد ماثلة في الوعي المتأتي من المعرفة والثقافة، وعبر ذلك أيضاً سيكون كل ما في الفيلم يضيء على الخيبة التي ألمت بمن قاموا بالثورة اليمنية (بشرى ورفاقها الذين ذهبوا سيراً على الأقدام من تعز إلى صنعاء للمشاركة بها)  حين تم خطفها من الأخوان المسلمين والحركات السلفية وغيرها من حركات إسلامية سياسية، لا تمتلك من مشروع إلا تكميم أفواه من يختلفون معهم بالرأي، والعنف أداتهم الوحيدة في ذلك.

الفيلم وثيقة هامة وضرورية، وهي في خضم معاناة المثقف العربي، واصطدام الوعي بالجهل، وهيمنة هذا الأخير على العقول التي يراد لها دائماً أن تكون متوقفة عن التفكير، لتمرير فتاوى وسلوكيات مظلمة لا تعرف إلا أن تزيد الواقع العربي حلكة. 

__________________________

شاعر وروائي وناقد من سورية

 

الصورة من أعمال السينمائي والفنان التشكيلي السوري رائد زينو

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.