عشيق زوجة الرجل المحتضر
العدد 175 | 01 تموز 2015
زياد عبدالله


ترك اتشاحها الطويل بالسواد أثراً على مذاقها..

وهكذا عرّفتني لذتها بمطلع حزن ومنتهى مأساة، وفي انهماكي في تفسير أثرها المدمر عليّ كنت أراها تمزج فرحاً طارئاً بحزن أصيل.

كانت طريقة جلوسها على تلك الكنبة المخملية الوحيدة مدعاة للجنون، والاحساس العارم بأن عدداً هائلاً من خلاياي ترتطم ببعضها البعض، فقد كانت تظهر قدراً ضئيلاً من جسدها المترامي، نقيضاً قاتلاً لما تركته مغموراً بالسواد.

أمسى ذلك مظهراً ثابتاً من مظاهرها، فهي إن تعرت تماماً يبقى منها ما هو مستور، ويمسي ايغالي بها أكثر فأكثر أشد إيلاماً وإلحاحاً وقد كان مستورها لا يكشف أبداً، وايغالي بها بلا منتهى.

بدا تخيلها خارج هذه الغرفة معجزة، أما الخروج فمغامرة لن أنجو منها حتماً.

هي قالت لي أن أبقى وأبقى ولم تستخدم عبارة “إلى الأبد” فهذا ابتذال لا محالة، أمام جملها المقتضبة وصوتها الذي يتبدل يومياً.

بدا كل ما يحيط بها مستعداً للزود عنها،  هي الوحيدة تماماً.

محاطة بهالات تستعر وتستكين.

هالات لا دراية للملائكة بها، تصونها، تحنو عليها، وبالتأكيد تزود عنها. 

ولذلك صرت أفكّر بالابتذال كتهديد لها، أو أن تقع في الثرثرة والهذر فتبدو امرأة أخرى!

وتخيلتها مرة تخلط بين الفحش والبذاءة، لا لشيء إلا لأن فحشها عصي على الفهم، يصعب توقع بدايته أو نهايته، متبوعاً بنوبات زهد لا تصمد دقائق معدودات.

لم أفارق الغرفة التي كان زوجها يحتضر فيها، وهي تدفعني لأن أخنقه بكلتا يدي من دون أن تلمح أو يعتري تصرفاتها ما يوحي بذلك.

هي من أودع تلك الرغبة المتوحشة فيّ! أقسم على ذلك!

ليمت

ما همي إن قتلته؟

ما همي إن استبقت الإرادة الإلهية أياماً؟

هو ميت لا محالة وإن جاؤوا بي إلى هنا لأنقذه لأؤخر موته.

مهلاً! اللعنة على هذه الأفكار!

لا! يجب ألا يموت..

موته يعني المضي معها في سفر خروج..

الخروج مغامرة لن أنجو منها حتماً

يبقى فنبقى

سفر تكوين هي

في البدء 

منتهاها بدء أيضاً.

___________________________________

روائي وشاعر من سورية صدر له شعراً “قبل الحبر بقليل” 2000، و”ملائكة الطرقات السريعة” 2005. من رواياته: “بر دبي” 2008، و”ديناميت” 2012.

 

الصورة من أعمال التشكيلي الأمريكي Salamon Bradford

*****

خاص بأكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.