ظهيرةٌ غائمة في فندق صغير
العدد 163 | 12 كانون الأول 2014
خالد بن صالح


أخف من جناح عصفور

هناك لحظةٌ ما

نزفُّها معاً إلى العدم. 

ننأى بعيداً

في الصمت – 

لئلا نخطو وحيدَيْن 

وما خلفنا جثث طرية متكومة على الطريق

الأيامُ كما في لحظةٍ سابقة 

أخفُّ من جناح عصفور

البابُ يرفرف

كذلك النوافذ تحلق عالياً في السماء

حتى جدران الغرفة التي كانت تحمينا من الحرب

من اليأس

من ثيابنا الثقيلة، تكادُ – الآن – أن تختفي.

***

 

من يحرِّك الهواء من حولك

أنتِ، لم تكوني قويةً كفاية

كنتُ أنا الهشَّ، المرمي بلا مبالاةٍ

في الركن، حيث لا يجدني أحد

وحيث شمسٌ تسترق لحظةً خاطفة

لتبصق هناك.

متداعياً كبابٍ مخلوع

كجذع شجرة تجرفه المياه

ينتهي في نار المدفأة.

 

ثمَّ ماذا بعد؟ والحياةُ ليست أكثر من كلبٍ 

يحرس جثة صاحبه، وأنَّكِ حين توقفتِ عن المشي

أكملتُ الطريق وحيداً، مائلاً برأسي صوب لحنٍ أحببته 

لاهثاً، فيما لساني يطول يطول يطول.

 

لا، لم تكن أصابعك الممتلئة الطويلة

ولا حتى ذراعاك بسمرتهما الخفيفة

حيث يسيلُ الوقت على مهل

فيما تعتصرين هيكلاً عظمياً مكسوا بالجلد

بعضٌ منه مزَّقته سنواتُ الحرب

البعضُ تاه في شوارع مغلقة

أما البعض الآخر فهو الذي يحرِّك الهواء

من حولك.

 

مترنحاً، كما لو أنَّ يداً تمسك بخيط غير مرئي

تطوح بجسدي المنهك في كل الاتجاهات

كذلك تطيرُ مني فراشاتٌ متفحِّمة

كطائرات حربية تتبعها خيوط دخان

لا أملك غير هذا لأستبقيك ساعاتٍ أخرى

تختزل حياتي اللَّعينة

إلى ظهيرةٍ غائمة في فندق صغير.

***

 

هكذا أقرأ لك قصائدي

في لحظةٍ مشابهة

تماماً مثلما تجلسين الآن

مستمتعةً

بما يدور حولك: حيث كلُّ شيءٍ عابر

وغير مرئي،

أقف أنا مترنِّحاً أمام المرآة

أوجِّه اللكمات لشخصٍ

بالكاد أعرفه.

_______________________________

شاعر من الجزائر

الصورة من فيلم “الخروج للنهار” للمخرجة المصرية هالة لطفي. للتعرف على الفيلم  يمكنكم قراءة  (“الخروج للنهار”..بيت لا يسجن حياة ولا يطلق سراحها) ضمن مواد هذا العدد. 

*****

خاص بأوكسجين


شاعر من الجزائر صدر له "سعال ملائكة متعبين" 2010، "مائة وعشرون متراً عن البيت" 2012، و"الرقص بأطراف مستعارة" 2016، و"يوميات رجل إفريقي يرتدي قميصاً مزهراً، ويدخن L&M في زمن الثورة" 2019. و"مرثية الأبطال الخارقين" 2023.