شهرزاد 2-2
العدد 161 | 09 تشرين الثاني 2014
هاروكي موراكامي/ترجمة: أماني لازار


كانت زيارة شهرزاد التالية إلى المنزل بعد ثلاثة أيام، وقد انقضت عطلة نهاية الأسبوع. أتت كما دائماً تحمل أكياساً ورقية كبيرة متخمة بالمؤن. راحت تعاين الأغذية في الثلاجة، مستبدلة كل شيء انتهت مدة صلاحيته، كما تفحصت المعلبات والزجاجات في الخزانة، ومؤونة البهارات والتوابل، لترى ما الذي على وشك الانتهاء، وكتبت قائمة التسوق. وضعت بعض زجاجات المياه المعدنية في الثلاجة لتبرد. أخيراً، كوّمت بعض الكتب الجديدة وأقراص الفيديو التي جلبتها معها على الطاولة.

هل هناك شيء آخر تحتاجه أو تريده؟

لا شيء يخطر على بالي، أجاب هابارا.

ثم كما في كل مرة، ذهبا إلى السرير ومارسا الجنس، بعد قدر مناسب من المداعبات، زلق واقيه الذكري، وولجها، وبعد قدر مناسب من الوقت، قذف. بعد إلقاء نظرة محترفة على محتويات واقيه، بدأت شهرزاد بالدفعة الأخيرة من قصتها.

كما من قبل، شعرت بسعادة وامتلاء لمدة عشرة أيام بعد تسللها الثاني. أخفت شارة كرة القدم بعيداً في حقيبة أقلامها، ومن وقت لآخر كانت تتحسسها أثناء الدرس. قضمت القلم الذي أخذته ولحست رأسه. طوال الوقت كانت تفكر بغرفته. فكرت بمكتبه، السرير حيث ينام، خزانة الأدراج المحشوة بثيابه، سراويله القصيرة الناصعة البياض، والسدادة والثلاث ضفائر التي أخفتها في درجه.

لقد فقدت كل اهتمام بوظائفها المدرسية. في الصف، أيضاً عبثت بالشارة والقلم وانغمست في أحلام اليقظة. عندما كانت تعود إلى البيت، لم تكن في حالة ذهنية مناسبة لحل وظائفها. لم تكن علامات شهرزاد المدرسية تعاني من مشكلة أبداً. لم تكن طالبة متفوقة لكنها كانت فتاة جدية تنجز مهامها دوماً. لذا فعندما نادى عليها معلمها في الصف، لم تكن قادرة على تقديم جواب مناسب، بينما كان المعلم مشوشاً أكثر مما هو غاضب. أخيراً، دعاها إلى غرفة المعلمين أثناء استراحة الغداء. ماهي المشكلة. سألها. هل هناك ما يزعجك؟ استطاعت فقط أن تهمهم بشيء مبهم عن شعورها بأنها ليست على ما يرام. سرها كان ثقيلاً جداً ومظلماً بحيث لن تتمكن من كشفه إلى أي كان-كان عليها أن تحمله وحدها.

عليَّ أن أواصل التسلل إلى منزله، قالت شهرزاد. كنت مضطرة إلى ذلك. كما يمكنك أن تتخيل، لقد كان خطراً جداً. حتى أنا يمكنني رؤية ذلك. عاجلاً أم آجلاً، شخص ما سيجدني هناك وسيتم استدعاء الشرطة، الفكرة أخافتني حتى الموت لكن ما أن بدأت الكرة بالتدحرج لم يكن هناك من طريقة لإيقافها. بعد مرور عشرة أيام من زيارتي الثانية، لم يكن لدي من خيار وهكذا مضيت إلى هناك مجدداً. أحسست بأني إذا لم أفعل سأنتهي نهاية قاتمة. والعودة إلى الماضي، تهبني شعوراً  بأني على شيء من الجنون.

ألم يتسبب لك هذا بمشاكل في المدرسة، بسبب الهرب من الصف على الأقل؟ سأل هابارا.

كان والدي منشغلان جداً بعملهما، ما منعهما من منحي كثير اهتمام. لم أتسبب أبداً بأي مشكلة من قبل، لم أتحدَ سلطتهما مطلقاً. وهكذا فقد اتبعا أسلوب عدم التدخل بوصفه الأفضل، كما أن تزييف الرسائل الموجهة من المدرسة كان بمنتهى السهولة. لقد شرحت لمعلمي أن لدي مشكلة صحية تتطلب مني قضاء نصف اليوم في المستشفى من وقت لآخر. طالما أن المعلمين كانوا منشغلين بما عليهم فعله تجاه الأولاد المتغيبين لزمن طويل، فلم يكونوا منشغلين كثيراً بقضائي نصف يوم من حين لآخر.

ألقت شهرزاد نظرة سريعة على الساعة بجانب السرير قبل أن تكمل.

أخذت المفتاح من تحت البساط ودخلت المنزل للمرة الثالثة. لقد كان هادئاً كما من قبل-لا، حتى أكثر هدوءً لسبب أجهله. لقد انتفضت حين دارت الثلاجة- بدت مثل وحش كبير يتنهد. رن الهاتف عندما كنت هناك. كان صوت الرنين عالياً جداً ومزعجاً حتى أني حسبت قلبي سيتوقف، وبللني عرقي. لم يرد أحد على الهاتف بالطبع، وتوقف بعد حوالي عشر رنات، وأمسى المنزل أكثر هدوءاً بعدئذ.

أمضت شهرزاد وقتاً طويلاً ممددة على سريره ذلك اليوم. لم يخفق قلبها هذه المرة بعنف شديد، وكانت قادرة على التنفس بشكل طبيعي. استطاعت أن تتخيله نائماً بسلام إلى جانبها، وانتابها احساس بأنها تراقبه وهو نائم. لقد شعرت بذلك، وأنها إذا ما مدّت يدها فبإمكانها أن تلمس ذراعه المفتول. هو لم يكن هناك بالقرب منها، بالطبع. كانت مستغرقة فقط في غشاوة أحلام اليقظة.

راوادها  توق لا يقاوم لكي تشمه. نهضت من السرير ومشت نحو خزانة الأدراج، فتحت واحداً، وتفحصت القمصان. كانت كلها مغسولة ومطوية بعناية. كانت نقية وخالية من الرائحة تماماً مثلما كانت سابقاً.

ومن ثم لمعت في رأسها فكرة، ومضت تسابق نفسها على  الدرج متوجهة إلى الطابق الأول. هناك في الغرفة المجاورة للحمام، وجدت سلة الغسيل وأزالت الغطاء، كانت الثياب المتسخة لأفراد العائلة الثلاثة مختلطة، ثياب الأم، والابنة، والابن. مظهرها يوحي أنه مضى عليها يوم واحد. أخرجت شهرزاد قطعة ثياب رجالية. قميص أبيض بياقة بحار. تنشقته. رائحة الشاب واضحة. نفس العفونة التي اشتمتها من قبل عندما كان رفيقها بالقرب منها. ليس العطر المتألق بالتأكيد. لكن حقيقة أن هذه الرائحة كانت له جعلت شهرزاد في فرح لا حد له. عندما وضعت أنفها بالقرب من الابطين واشتمت، شعرت كما لو أنها كانت في حضنه، ذراعاه تلفانها بشدة.

صعدت شهرزاد الدرج إلى الطابق الثاني، و القميص في يدها، واستلقت على سريره مرة ثانية. دفنت وجهها في قميصه وتنشقته بنهم. وها قد بدأت تشعر بإحساس خائر في الجزء السفلي من جسدها. كانت حلمتاها تتصلبان أيضاً. هل يمكن أن تكون دورتها الشهرية في طريقها؟ لا، لقد كان الوقت مبكراً جداً. هل كانت هذه رغبة جنسية؟ إذا كانت كذلك فماذا بإمكانها أن تفعل حيالها؟ لم يكن لديها أي فكرة. الأمر الوحيد الذي كانت متأكدة منه أنه ليس بالإمكان فعل أي شيء في ظل هكذا ظروف. ليس هنا في غرفته، على سريره.

في النهاية، قررت شهرزاد أن تأخذ القميص معها. كانت مخاطرة بالتأكيد. كان من المحتمل أن تكتشف أمه اختفاء القميص. حتى لو لم تدرك أنه مسروق، ستظل تتساءل عن غيابه. أي أم تحافظ على نظافة منزلها بهذا الشكل، كان لا بد أن تكون مهووسة بحق. عندما يفقد شيء، فإنها تنبش المنزل ويمسي عاليه سافله، مثل كلب بوليسي، حتى تجده. بلا شك ستكتشف آثار شهرزاد في غرفة ابنها الغالي. لكن حتى ومع إدراك شهرزاد ذلك، لم ترغب أن تفارق القميص. فقد كان عقلها عاجزاً عن إقناع قلبها.

عوضاً عن ذلك، بدأت تفكّر بما ستتركه خلفها. بدا سروالها الداخلي الخيار الأفضل. كان من نوع عادي، بسيطاً، جديداً نسبياً، ونظيفاً ارتده صباح اليوم. كان باستطاعتها أن تخفيه داخل خزانته في موضع قصي. هل من بديل آخر أكثر ملائمة لتتركه خلفها؟ لكن عندما خلعته كان رطباً. أظن أن هذا سببه الرغبة، راحت تفكر. سيكون من الصعب ترك شيء ملوث برغبتها في غرفته. لن تهين سوى نفسها. لبسته مجدداً وبدأت بالتفكير بشيء آخر تتركه.

قطعت شهرزاد قصتها. مضى وقت طويل ولم تنبس بكلمة. استلقت بجوار هابارا تتنفس بهدوء وعيناها مغمضتان. اقتدى بها منتظراً منها أن تتابع. 

فتحت عينيها أخيراً وتكلمت. هيه سيد هابارا، قالت. لقد كانت المرة الأولى التي تخاطبه فيها باسمه.

نظر هابارا إليها.

هل باستطاعتنا أن نفعلها مرة ثانية؟

من الممكن تدبر ذلك، قال.

وهكذا مارسا الحب ثانية. ولو كان هذه المرة مختلفاً جداً عن المرة السابقة. عنيفاً، عطوفاً ومستغرقاً وقتاً طويلاً. كانت نشوتها في النهاية لا لبس فيها. سلسلة من تشنجات قوية تركتها ترتجف. حتى وجهها كان متشنجاً. بدا ذلك بالنسبة لهابارا كما لو أنه وقع على ملمح موجز مما كانت عليه شهرزاد في شبابها: كانت المرأة التي بين ذراعيه الآن فتاة مشوشة بعمر السابعة عشرة من عمرها، وقعت في شراك جسد ربة بيت في الخامسة والثلاثين. صار هابارا يجدها هناك، عيناها مغمضتان، جسدها يرتعد،  بينما تتنشق ببراءة عطر عرق الفتى على قميصه.

 هذه المرة، لم ترو له شهرزاد قصة بعد الجنس.  ولم تتفحص محتوى الواقي الذكري. استلقيا هناك بهدوء جنباً إلى جنب. كانت عينيها مفتوحتين باتساع، وكانت تحدق في السقف مثل ثعبان البحر الذي يحدق إلى أعلى نحو سطح المياه البراق. كم سيكون رائعاً، فكر هابارا، إذا ما استطاع هو أيضا أن يسكن زماناً ومكاناً آخرين. تاركاً هذا الكائن الوحيد، المحدد بوضوح، المسمى نوبوتاكا هابارا خلفه، ويصبح ثعبان بحر بلا اسم.  تصور نفسه وشهرزاد جنباً إلى جنب، ممصاتهما ملتصقة بالصخرة، أجسادهما تتموج في التيار، يحدقان في السطح وهما ينتظران مرور السلمون المكتنز سابحاً باعتداد بنفسه.

إذن فما الذي تركتِه بدلاً عن القميص، كسر هابارا الصمت.

لم تجب في الحال.

لا شيء، قالت أخيراً. لا شيء آخذه معي يمكن أن يضاهي ذلك القميص المحمّل برائحته. لذا فقد أخذته وتسللت خارجة. وفي هذا الوقت صرت لصة بريئة، لصة بسيطة.  

عندما عادت شهرزاد بعد أحد عشر يوماً إلى منزل الفتى للمرة الرابعة، كان هناك قفل جديد على الباب الأمامي، لونه ذهبي يلتمع في شمس الظهيرة كما لو أنه يتباهى بثباته العظيم. ولم يكن هناك مفتاح تحت البساط.  من الواضح أن شكوك أمه قد استثيرت مع فقدان القميص، ولابد أنها بحثت عنه في كل مكان، مصادفة علامات أخرى تشير  إلى شيء غريب يحدث في منزلها. غرائزها كانت سديدة، رد فعلها سريع.

أصيبت شهرزاد بالخيبة جراء هذا التطور، لكنها شعوراً بالراحة رافقها في الوقت نفسه. كان ذلك كما لو أن شخصاً وقف خلفها وازاح ثقلاً كبيراً عن كاهلها. هذا يعني أن عليّ عدم اقتحام هذا المنزل، فكرت. لم يكن هناك شك بأنه لو لم يتم تغيير القفل، فإن اجتياحاتها ستتواصل بلا حدود. ولا كان هناك أي شك بأن تصرفاتها ستتصاعد مع كل زيارة. أخيراً، سيظهر عضو من العائلة وهي في الطابق الثاني.  وسوف لن يكون هناك وسيلة للهرب، ما من طريقة لتخرج نفسها من ورطتها، هذا هو المستقبل الذي ينتظرها عاجلاً أم آجلاً، بالنتيجة ستكون مدمرة. الآن استطاعت تفاديه، ربما عليها أن تشكر أمه -ولو أنها لم تلتق المرأة أبداً-لأن لها عينان كعيني الصقر.

كانت شهرزاد تتنشق شذى قميصه في كل ليلة قبل أن تأوي إلى السرير. تنام وهو بالقرب منها.  تغطيه بورقة وتخفيه قبل أن تمضي إلى المدرسة في الصباح. ومن ثم تجذبه بعد العشاء، لتلامسه وتتنشقه. لقد قلقت من أن رائحته قد تتلاشى مع مرور الأيام، لكن هذا لم يحصل، رائحة عرقه تخللت القميص جيداً.

لم يعد الآن وارداً إقدامها على مزيد من الاقتحامات، بدأت حالة شهرزاد العقلية بالعودة ببطء إلى طبيعتها. وأمست أحلام اليقظة التي تراودها في الصف أقل، وبدأت تدوين ما يقوله معلمها. مع أن تركيزها الرئيسي لم يكن على صوت معلمها، لكن على سلوك زميلها. أبقت عينها عليه بهدوء، محاولة التقاط أي تغيير، أي إشارة على الإطلاق قد تبدو عصبية نحو شيء ما. لكن كل شيء كان كما عهدها به، يرمي برأسه إلى الخلف ويضحك ببساطة كما دائماً، ويجيب فوراً عندما يستدعى، يصيح بصوت عال في تمرين كرة القدم ويتعرق.  لم تستطع أن تقتفي أثر أي شيء غير عادي-لم يكن إلا شاب مستقيم يعيش حياة صافية كما يبدو.  

ومع ذلك عرفت شهرزاد أمراً مظللاً غير بادٍ عنه. أو ما يشبه ذلك. ما من أحد ربما يعرفه غيرها. هي وحدها (ولنفكر فيه، ربما أمه). ففي ثالث يوم تسللت فيه صادفت عدداً من المجلات الإباحية مخفية ببراعة في أقصى مكان في خزانته. كانت ملأى بصور نساء عاريات، يفردن سيقانهن متيحات مشاهد سخية لأعضائهن.  بعض الصور جسدت العملية الجنسية: رجال يدخلون قضبانهم الطويلة في أجساد نساء في أكثر الوضعيات غرابة. لم تقع عينا شهرزاد أبداً على صور كهذه من قبل. جلست إلى مكتبه وقلبت ببطء صفحات المجلات متفحصة كل صورة باهتمام كبير. خمنت أنه كان يستمني أثناء رؤيته لها، لكن الفكرة لم تصدمها باعتبارها غريبة بشكل خاص، لقد تقبلت الاستمناء باعتباره نشاطاً عادياً تماماً، لا بد لكل ذلك المني أن يذهب إلى مكان ما، تماماً مثل الفتيات اللاتي لديهن الدورة الشهرية، بتعبير آخر، لقد كان مراهقاً نموذجياً، ليس بطلاً ولا قديساً. وجدت شيئاً من الراحة في معرفة ذلك.

مع توقفي عن التسلل، بدأ شغفي به يبرد تدريجياً، تماماً مثل المد وهو ينحسر عن شاطئ مترامٍ ومنحدر، إلى أن وجدت نفسي من دون سابق إنذار أقلل من تنشق قميصه، وأمضي وقتاً أقل في الاهتمام بقلمه، وشارته. لقد تخففت من الحمى. وما كان يحاصرني لم يكن شيئاً أشبه بالمرض، بل حقيقة. وكان يمنعني من التفكير السليم طالما هو معي. ربما مرّ كل إنسان بفترة مجنونة مماثلة، أو قد يكون أمراً حدث لي أنا فقط. ماذا عنك هل عشت شيئاً كهذا في حياتك؟

حاول هابارا التذكر، لكنه لم ينجح. لا، لا شيء بهذه الشدة، لا أظن، قال.

بدت شهرزاد محبطة بعض الشيء من رده.

على أي حال. عندما تخرجت، نسيت بسرعة وسهولة  كل شيء عنه. كان ذلك غريباً. ما الذي كان عليه ليقع لي ذلك وأنا بعمر السابعة عشرة؟  لا أستطيع التذكر، رغم محاولاتي الكثيرة. الحياة غريبة، أليس كذلك؟ يمكن لك أن تكون مفتوناً كليا بشيء ما في دقيقة، تكون راغباً بالتضحية بكل شيء ليكون ملكاً لك، لكن بعد مرور وقت قصير، أو تغير وجهة نظرك قليلاً، حتى تصاب بصدمة تلاشي هذا الوهج بشكل مفاجئ كلياً. ما الذي كنت أتطلع إليه؟ تتساءل. إذن فهذه هي قصتي عن فترة ” الاقتحام والدخول”.

لقد جعلت ذلك يبدو كما المرحلة الزرقاء في أعمال بيكاسو ، فكّر هابارا. لكنه استوعب ما كانت تحاول إيصاله.

نظرت إلى الساعة المجاورة للسرير، وقد وقت مغادرتها قد اقترب.

دعني أخبرك الحقيقة، قالت أخيراً. القصة لم تنتهِ هناك، بعد عدة سنوات عندما كنت في سنتي الثانية في مدرسة التمريض، ضربة غريبة من القدر جمعتنا مجدداً، لعبت أمه دوراً كبيراَ في ذلك، في الواقع كان الأمر غريباً. لقد كان قصة من قصص الأشباح القديمة تلك، أخذت الأحداث منحى لا يصدق. هل تحب سماعها؟

أحب ذلك، قال هابارا.

من الأفضل أن أنتظر حتى زيارتي المقبلة، قالت شهرزاد. تأخر الوقت ، عليَّ التوجه إلى البيت وإعداد العشاء.

نهضت من السرير وارتدت ملابسها، السروال، الجوارب، قميصها الداخلي، أخيراً تنورتها وقميصها الخارجي. راقب هابارا من السرير حركاتها كيفما اتفق. لقد أعجبته الطريقة التي تلبس بها المرأة ملابسها، والتي يمكن أن تكون أكثر إثارة للاهتمام من الطريقة التي تخلعها بها.

أي كتب بعينها تود مني أن آتيك بها، سألت وهي تخرج من الباب.

لا، لا يتبادر إلى ذهني شيء، أجاب. ما رغب به حقاً، كان أن تخبره بقية القصة. لكن لن يفصح عن ذلك، فهذا الفعل قد يعرض للخطر حظوظه في سماعها.

ذهب هابارا إلى السرير تلك الليلة، وفكر بشهرزاد. ربما هو لن يراها ثانية أبداً، هذا ما شغله. كان الاحتمال جد حقيقي. لا شيء ذو طبيعة شخصية-لا تعهد، لا تفاهم ضمني-يجمعهما معاً. كانت علاقتهما علاقة بالصدفة صنعها شخص آخر، وقد يتم إنهاؤها وفقاً لرغبة ذلك الشخص، بمعنى آخر كانا مربوطين بخيط واهٍ، لقد كان من المحتمل، لا، من المؤكد-أن ذلك الخيط سينقطع في النهاية، و كل المرويات الغريبة و الغير مألوفة التي يجب أن تقال، ستكون مفقودة بالنسبة إليه، السؤال الوحيد كان متى.

لقد كان وارداً أيضاً أنه قد يحرم في مرحلة ما من حريته كلياً، وليست شهرزاد فقط، ستختفي كل النساء من حياته، ولن يكون بمقدوره الدخول إلى رطوبة أجسادهن الدافئة. لن يكون بالمتناول مجدداً  أن يشعر بقشعريرتهن بالمقابل، وقد كانت خسارة اللحظات الحميمة المشتركة احتمالاً أكثر بؤساً لهابارا من انقطاع النشاط الجنسي. وما قدّمه له الزمن الذي أمضاه مع النساء، كان كامناً في احتضان الواقع له من ناحية، ونكرانه كلياً من ناحية أخرى. هذا ما قدمته شهرزاد له بسخاء، وهي صاحبة موهبة لا تنضب، ترقب الفقد جعله أكثر حزناً.

أغمض هابارا عينيه وتوقف عن التفكير بشهرزاد، واستعاض عنها بثعابين البحر. بالمخالب التي تلصقها على الصخرة، متوارية بين أعشاب الماء، تتأرجح جيئةً وذهاباً في التيار. تخيل أنه واحد منهم يترقب ظهور أسماك السلمون. لكن لم تمر أي سمكة سلمون، وما عاد مهماً كم انتظر من الوقت، ما كان هناك من سلمون مكتنز أو سلمون هزيل، لم يكن هناك من أسماك سلمون على الاطلاق. أخيراً غربت الشمس وكان عالمه يتلاشى في الظلام.

__________________________________

ترجمها عن اليابانية تيد جوسين

 

الصورة من فيلم “الجمال العظيم” للمخرج الإيطالي باولو سرنتينو. للتعرف على الفيلم  يمكنكم قراءة  (“الجمال العظيم”.. مفاتيح لأبواب روما المشرعة) ضمن مواد هذا العدد.

*****

خاص بأوكسجين


مساهمات أخرى للكاتب/ة: