ديكتاتوريّة طفلة
العدد 155 | 02 تموز 2014
هاني نادر


قبل أن ألقاها بيوم، أتنكّر بهيئة سجّانٍ يحملُ عصاه و مسدّسه على خصره، و مكبّر الصوت في يده، وأدخلُ إلى سجني الموجود داخلي لأوقظَ مساجيني، أضربُ بالعصا على حديد الزنزانات، وأصرخ “هيا يا حيوانات، استيقظوا! اجتماع مسائي يا بجم! استيقظ أنت وهو!! ألا تسمع؟ اجتمااع يا بغل!! شعب بدّو حرق”.

يستيقظ المساجين مرتعبين، و أجتمعُ بهم مرتدياً الزّي العسكريّ الكامل، واضعاً نظارتي الشمسية مع أن الليل دامس، و سيجاري بطولي، أصرخُ بهم “اسمع انت و هو!! غداً صباحاً سأخرج معها، مفهوم؟؟! ” 

أخطو بينهم كالمفتّش، أتفحّص من منهم المجرم الأنسب الذي سأتقمصّه غداً معها.

السجين المغرور و العدواني، أو أبو قليب الطيّب؟! أم السجين الحنون و الكريم؟!

سحقاً .. ارتديتهم جميعاً .. و لم ألحظ فرقاً!

يتأفف السجين المثقّف، و يديرُ وجهه بقرف، و يهمس “سيدي أرجوك، ملّينا! المخلوقة لا تحبك، افهمها بقى!” 

أزمجر أنا “شو عم تقول ولك!! عم تتطاول عَ أسيادك؟؟! ولله لنسّيك حليب أمك يا كلب!” 

أهجمُ عليه كالثّورِ الهائج، و ألطمه على وجهه، وأرفسه على خصيتيه، وأدع العصا ترسم على جسده خريطة الهند!

يحدّق جميع السّجناء بي، يضربون كفوفهم على الطاولة، و يتمتمون بصوت خفيف “ملّينا، ملّينا ..” 

تعلو أصواتهم شيئاً فشيئاً، أصبحت حناجرهم تضرب كالمطرقة 

أقفُ و أضعُ يديّ على رأسي و أصرخ كالمصروع حين تأتيه نوبة ” لاااا اخرسوا يا كلاااااب، لااااا “

و هم يغنّون ثائرين “عااايشة وحدها بلاك، و بلا حبّك يا ولد ..” 

أشتم الرّحابنة والسّاعة التي عشقتهم بها 

أصرخُ للحرس وأطلب الدّعم دون فائدة، أصواتهم تمزّق جدرانَ صدري 

“خونة، كلااااب” 

أجثو على ركبتيّ، أصرخ و أبكي كطفل رضيع، يهرب المساجين، و يحرقون السجن فوق رأسي.

يأتي الصّباح وأقابلها كعادتي وأنا مشوّه، فارغ، مسيّر مدمّر، رئيس أسقطه شعبه، جندي شريف خانته كلّ فرقته.

و هي كألمانيا هتلر قاسية، كفرنسا نابوليون قوية.

فأخسر النّزالَ كما كل مرة 

و أعودُ لأبحثَ عن سجنٍ جديد، و مساجينَ جُدُد 

على أملِ أن أكسبَ جولة من المُستبدّة.

______________________________

كاتب من سورية

 

الصورة من أعمال المصور الفوتوغرافي المصري مراد السيد

*****

خاص بأوكسجين