أنظر إنه بحر.. أوله جسدي، مملحاً لك. يوماً ما سأكتب عن سقف ومزبلة وشارع، عن مدينة بكتفين ضيّقين خلقت العالم في خمسة أيام ولم تسترح، عن قصيدة جائعة، كعاصفة، كثدي مقطوع.
كيف هي الحياة في مدينة لا تعرف الليل؟
ثمة فرق بين تسمية الرغبات وتكديسها. لا تبحث طويلاً.. ارغب فقط، ارغب بي، بأي شي، بلون العصير، بشاشة على قياس فخذيّ، بأرقي، بصوتي المائل، بصورة مكبّرة لشامتي. لا تبحث طويلاً. تخلّص منها، بقميص أبيض وعطر نحيل، ثمة فنجان قهوة، ثمة زقاق، وبشرة باهتة، ثمة احتمالات أمل وكثير من الإحباط، ثمة وجهي يلوّح لك.
أخبرني كيف هي الحياة في مدينة لا تعرف الليل؟
أحبّ الأطفال وأكره تجاعيد يديّ، قريباً لن أعود قادرة على طلاء رحمي، سأكتب لك حينها “شهقتي جفّت، لم تعد دماً”. أعلم أن الوقت لا يحتمل الآلام الطفيفة، ثمة كم هائل من الأسى لنخيطه، وأعلم جيداً أن ثمة سوريا عالقة بيننا، كصرخة.
العائلة اسم معرّف في صفحة إحدى التنسيقيات، حزمة صور معلّقة، آمال نافقة، ككائنات مقلوبة على ظهرها. العائلة عينان خرجتا خلف الموتى، وأمّ شهيد، الكل معها، الكل يخافها. الذنب وشاح ستلقيه على رأسها. هكذا فعلت جدتي، علّقت الأسود مشنقة، واحترفت الصلوات واللعنات حتى أصبحت هيكلاً. جدتي ظلّت تضرب حنكيها حتى طحنتهما، جدتي تشبه حلب.
سورية مجدداً، سأفرغ دمي في عبوات بلاستيكية، كما يفعلون بالعصائر في شهر رمضان، يمكنني أن أعبر بمحجرين فارغين، ثم أكحّل نساء القرية، حيث حلّت مجزرة منذ موسمين أو أكثر، وأزيّن العتبات بالتمائم. المقبرة: رخام/ زهرة/ عشب/ جزارة عشب/ براز كلب/ رائحة أقدام/ نفايات/ حشرات مبللة/ وصديقي الطري كجنين.
أنظر .. إنها عيني، لزجة من كثرة التحديق، سأضعها في إناء، او ربما أبتلعها. يوماً ما سأرسم عجوزاً حامل، بشوارع ضيقة وزحمة، تشعل لفافة من التبغ داخل بطنها، فتضيء الأرصفة، وفي الموعد السابع تفتح فخذيها لتزفر مدينة.
أخبرني مجدداً، أتحب الخوخ؟
_________________________________
كاتبة من لبنان
الصورة من أعمال الفنان التشكيلي السوري طلال معلّا
*****
خاص بأوكسجين