جِلبَرت في سوق المال
العدد 210 | 09 نيسان 2017
سانت ياجو


حصري:

 هذه أرض

وهذه سماء

هذا كل شيء.

 خطاب مكتوب بخط اليد ومذيل باسم دانييل عاشور

مأخوذ بكاميرا موبايل ومنقول كصورة على إيميل

Santiago.xxx.santiago@gmail.com

إفريقيا:

جِلبَرتْ في سوق المال يتجول مع كلبيه

يندفع صوت العِظام في المقطورة الخلفية

مع لسان عليه بثور

كان يحمل ميكروبا سِبَحيّا وبعض الكلام.

إفريقيا دماء ساخنة تعوم في التراب

حارس الغابات يتذكّر مستعمرة

يشعر بالخوف فجأة

ينادي منذ المساء

ثم

توارى ليموت في الأشجار

وعلى امتداد الحقول، كومة فيروسات

إيدز وإيبولا وطحال رجل في إناء خشبي.

 

***

قرأت:

إفريقيا ظهرت لي في المنام ، كفتاة معصوبة الرأس تمشي في المنحدرات.

ظهرها من شارع الفاتح يمتد إلى غابة تظهر وتختفي.

في كفها ملابس قديمة

وعلى كتفيها بعض الأحمال

ظهرت للحوامل في عيد الجلاء مع أغنية

وظهرت أيضا كطعام سقط على أرض المطعم السياحي

تُناوِبُ لحراسة العلب الفارغة

ودفع ثديها للأمام.

 

***

 

تفكر قرية  في السعادة

يدوس نعال على منطقة في الخيال

ومن نادي الإعدامات المسقوف، تظهر الجزيرة

بعاداتها القاسية

يقفز قلب الحارس في المعصرة

وإناء البرتقال به دود

برودة الماكينة العملاقة

بها 7 جثث بدون أسماء

إفريقيا السمراء

تضع سرتها في إناء الجاز

تبتلع محيط النهر والأنابيب.

 

***

 

نهار مفتوح على ذاته

أنا مع كلب يعبر الحدود

ألهث في كثبان تشاد

وعندما وضعوني في عربة الأغنام ناموا

نحن نهاجر مجموعات مجموعات

وفي ختام الوجبة ندفع في أرواحنا ذكريات معدنية لحساب الحرارة

أفريقيا زوجة مختونة في  كل مكان

تتدرب على الجنس الجماعي كي تعيش

ترقص في المكان الخالي لتحيض

ونحن مجموعة لابأس بها

معنا جهاز مناعي

وهذا مهمة الشركة الأم

حيث طوروا لنا مركبا ودواء وشتيمة

وعادة نحن نشعر بالألم ، لذا يكتب كثير منا الأشعار

يعزفون على بطونهم في الليل

وقبيل حدوث الحرب.

إفريقيا بلون الناسكافيه، تتبول في المساكن

تجوع واقفة أمام المحال التجارية

تأكل القمل والقوارض

وتتجه إلى الشمال

***

عند وهران يدور البير كامو

يفكر في حدائق الإسمنت وروح الذين ماتوا في الحرب

تفور العاصمة من المنتصف

تطالعني عناوين الجرائد بأن البلاد آمنة

وأن الجزائر تحيط بالشاطئ وحدها

وأن كاتب ياسين يسير نائماً

عند وهران تعطلّت مساحة غير قليلة في الشمال

كي لا يحبها أحد

***

 

صفحة المراكب والجثث مكتوب فيها: نم في العراء

بطنك الجائعة صارت قارباً يفر منه اللاجئون

عويل بطول الليل

نظرات حادة تمزق الجوار

بريد ممغنط: يا أمي سنموت.

 

***

 

أسمع صوت البحر لأول مرة

فتحة الماضي سوداء

يطل منها ثعبان.

 

***

 

إجراء بسيط حدث

سلمونا أكياسا للجثث

وطلبوا منا الغناء بصوت واحد

وعندما جاء البرد، قذفوا علينا لعنات مكتوبة

كان يحددها رجل سمين

ويدوي صوت في حلق المرأة الصغيرة:

وصل في بطني طفلان.

لم يتوقف أحد

دخلنا في شيء مفتوح

وتوغلنا

إلى أن عثرنا على صندوق به دود ولحم بشري \.

 

***

أنجمينا، أبشي، موندو، فيالارجو، آتيه، موسورو، سار، فادا، بردا، أم جرس، كاو: هذه أسماء للطبيعة وهي تشهق بالبكاء.

سوف تأتي الرمال بعادات قاسية

قطعة من فم في إناء الحديد

صوت الخرافة المستورد يتجول في بنغازي

سرتْ في بداية الطريق

خيمة القذافي تحتها شعب

وأربعة شفاه مدلاة على الشاطئ.

 

***

 

صديقي دانييل عاشور: أرد على الإيميل

في القاهرة، عند البنزينة، في شارع صبري أبو علم رأيت قفصا صدريا يتحرك به رجل وامرأة

نهض محمد علي في العاشرة مساء ومسح على جبينه ثم عاد في حفرة عميقة

وأنا نشرت الأوراق عند مدخل محطة المترو كنوع من المعاصرة

فقد كنت سكرانا، أتابع خطاً طويلا من الناس يتنهدون باستمرار

وحتى عندما رطنت بجملتين على سور الحديد مع كمال

قال لي: كافور الأخشيدي في كل مكان .

أذكر يا دانييل أننا أكلنا جبنا وكشري وبسبوسة.

أضيف: كان مركز العلاقات العامة يعلن عن حاجته إلى موظفين

دائما كان يعلن عن ذلك

فندق السعادة كان به رجال أمن وقادة

حتى طلع الفجر

وهو يقول لي: الأهرامات قديمة

وأنا أقول له: عليك بمضغ الطعام جيدا.

 

***

 

أحدنا شتم الآخر، ثم شتمنا نحن الاثنين شخصا ثالثا.

ينسحب ليل بطيء على نوافذ المقهى

كان ابراهيم أصلان يمسح طوال الليل بيده على زجاجة

ويدقق النظر في الكلمات المكتوبة عليها،  مثلما يدقق الذين يصلحون ساعات اليد القديمة

ثم يرفع عينيه إلى النادل ولا يتكلم

فقط يبتسم

قال: عصافير النيل

فتوتر أحمد فؤاد نجم وقال:

أنا أكره الأجانب

سمعنا من الخلف لغطا وأغان وطنية لعبد الحليم حافظ وشادية

ثم ذاب الصوت على إيقاع  أغنية عاطفية قديمة تمايلت معها رؤوسنا وتنهدنا بصوت واحد مسموع للجميع حتى على صوت: الله .

في هذه الأثناء كانت العاشرة

وكان تاكسي سعدالله وَنّوُس يحمل الغيطاني إلى جهة غير معلومة

أعتقد أن شخصا آخر كانت رائحة الخمرة تفوح من فمه

كان جالسا يراقب

قال سعدالله وَنّوُس: أردت أن أزور معالم القاهرة

واستطرد: لم أستطع، فكتبت المَلِك هو المَلِك.

 

2

يا دانييل: خذنا إلى الخرطوم

سمعت أنهم يطعمون الناس هناك ويفكرون جيدا قبل أن يتكلموا  مثل الطيب صالح عندما عاد.

ثم فهمت من أصدقائي السودانيين أثناء الهجرة أن هذه التعويذات أصبحت باطلة مع الزمن.

كانت قطعا من البخور تأتي مع فاطمه وهي تصيح في الفجر:

كل ذلك مكتوب.

سمعت في التلفاز قطعة الأرض وهي تتشقق من الأطراف

لتبتلع المياه والشجر والماشية والعرايا

ليظل الليل واقفا مثل سيف الدين عبد الدايم وهو يتأمل ثم يقول : ماذا يصنع الخيال؟

 

3

العدو في الطرقات

تبديد الوقت

مد الذراعين للأمام

مكتوب معها جملة بلغة أجنبية: اذهب بعيدا.

ثم عثرت على خريطة يظهر فيها الطين وهم يضعونه على أكتافهم كي لا يجف.

كنائس تصلي في الأعياد

دماء زرقاء تمر في  النهر

حقول معبأة في أكياس الأسمنت تجول على ظهر الحمّالين

إفريقيا من عند النيجر واقفة بدون ثياب

تنظر إلي.

 

***

 

جلبرت صار كاتبا

قال لي في رسالة على الواتس: إنه صار يسمي كل أيام الأسبوع آحاد

وقال إنه أصبح غنوصيا يرتاب من الجِمال على الرغم من أنه ترك خط الإستواء راحلا على دابة

وبعد وصوله إلى تونس بأسبوعين كتب لي:

سمعت صوتا قادما من السماء

وانتظرت كل يوم في مقهى

وأنا غير مرتاح

تأتي من الصحراء قوافل من الشعراء

يتدربون على الصمت

ونحن نحتسي الشاي

من العيب أن لا نبدو مثل فرنسا

في معنى ذلك، نأتي على سيرة القيروان

لا أعرف لماذا القيروان؟

فهذا مرتبط في نفسي بالكتاب وتلاوة القرآن

الرمز البريدي هنا: شرق وغرب

وعليك بعدم الحضور إلى الشواطئ، فالجميع يريد أن يفر بعيدا عنها.

 

***

فتحت الباب فجأة ولم يدخل أحد

لكن، وأنا عائد إلى الصالة صادفت “السماء الواقية” لبول بولز

فانتابني شعور بالغموض

أنا في طنجة خائف

خائف من أن ينهار عليّ جدار

على الرغم من أنني ذكرت جبل طارق والدين الإسلامي

والأمازيغية، إلا أنني كنت دائما أنظر إلى الشمال

عدلت فرنسيتي مرتين

وتأسست جيدا في العربية

ثم صنعت قاربا يتسع لمئتي شخص

واستيقظت فجراً.

 

***

 

رسم صديقي إفريقيا في لوحتين

عينان واسعتان وفقط

عين تنظر إلى النهر

وعين لا ترى شيئاً

في ثاني لوحة

رسم امرأة سمراء عارية

تقف على صخرة من صخور النيجر

وتنظر إلى كتفها الشمال

وعلقت أنا على عظمة الظهر النافرة

كي أتغلب على نوع من الغضب شعر به الجميع وهم يحملون اللوحة

حدث هذا أيضا أثناء ما بدأنا في تناول العشاء.

 

***

 

جلبرت قال لي في الهاتف، إن إفريقيا لم تغزو أحداً

وإن إفريقيا تستقبل الأجانب بابتسامة

دائما تبتسم، حتى وهي تشعر بالألم

تضع لهم الكراسي على ضفة النهر

وترافقهم في النزهات الليلية

وأثناء التنقيب عن الذهب.

عيبها الوحيد وجود مَشيمة في جميع مناطق جسمها

تنتج منها أطفالاً، تبعثهم في سفن إلى أماكن بعيدة، أو أنّك تستطيع أن تشاهدهم في أمسيات كثيرة وهم يدخلون إلى حفرات عميقة.

في الآونة الأخيرة سمعت أنها لجأت إلى عصرهم في أجهزة إسطوانية كي تصنع منهم دواء.

أعاد على مسمعي:

أنا مصاب بالجذام والإيدز معاً، وأخطط لإنشاء فرن غاز أضع فيه رؤوس هيلاسيلاسي وعيدي أمين وبوكو حرام والتفرقة العنصرية.

*****

خاص بأوكسجين