توقيت
العدد 160 | 18 تشرين الأول 2014
قصي اللبدي


– لم لا تأكل!

سألتني سارة وهي تضبط جلستها على الكرسي.

وأكدت لها أنني لم أتوقف عن الأكل منذ وصولي، وأنها ماهرة في طهو السمك، فحركت يدها أمام وجهها كأنها تطرد ذبابة. والتفتت الى جارها:

– حسام، كُل!

أمسك الشاب ذو خصلة الشعر البيضاء فوق أذنه، الملعقة بيده اليمنى، وانحنى فوق صحن السلطة، مستجيبا لدعوتها. ورمقت رانة ردة فعله الآلية، لثوان، ثم أطلقت ضحكة لا يمكن وصفها.

،

نجلس أنا ورانة الى جانب من الطاولة، فيما يجلس حسام وسارة الى الجانب المقابل.

أما العشاء، فيتكون من سمكة مرجان ضخمة، مشوية، ومغمورة بقشر المانجو، تحيطها أربعة صحون من سلطة الجرجير الخضراء، وصحن كبير من البطاطا المهروسة، وأربع كؤوس من النبيذ الأحمر، إضافة الى صحن زيتون اسباني محشو بالجبن والزعتر، وعبوتين حياديتين من الخردل والكاتش أب.

– حسام! (نادته المضيفة وهي تشد تنورتها الزرقاء، القصيرة، الى أسفل) تعال معي.

نظر إليها أولا، ثم التفت الى رانة، في الجهة المقابلة، ومرر نظرته على لحم كتفيها، ببطء، وهو يلحس شفته.

– حسام!

نادته سارة من المطبخ، فنهض، أخيرا. لم تلاحظ رانة شيئا، لحسن الحظ.

،

– هذه زيارتك الأولى الى بيت سارة؟

سألتني من دون أن تلتفت إليّ، ثم تذوقت الكأس ووضعتها جانبا.

– لا، زرتها من قبل.

أجبتها.

وفي هذه اللحظة عادت سارة وحيدة، حاملة صحن مانجو مقشر ومقطع مكعبات صغيرة. بدت لي تنورتها أقصر قليلا. توقفت خلفي مباشرة، مطت جذعها تاركة صدرها الطري يحط على كتفي، ثم وضعت الصحن أمامي. شعرت بنظرتها تجلس في حضني.

– رانة، لا تكوني أنانية. اسكبي له.

،

تزن الفتاة ذات الكتفين العاريتين، ما لا يقل عن 70 كيلوغراما. مع ذلك، يحتفظ جسدها بتناسق موح، بفضل قامتها الطويلة. وتبدو تقاطيع وجهها كما لو كانت منتقاة وموزعة في أماكنها بعناية فائقة.

إنها من ذلك النوع من الفتيات، الذي تشعر برغبة في مواصلة النظر إليه، محتشدا وراء عينيك، حتى اللحظة الأخيرة من حياتك.

ظهر حسام مجددا، حاملا جهاز الصوت، فأفلتت رانة ضحكة أخرى مدوية، وهي تنظر إليه.

– لمّي نفسك.

جاء صوت سارة حاسما وغير جاد، من الخلف. فيما حملت أنا الكأس وسكبتها في فمي.

،

تلقيت الدعوة على العشاء من سارة، زميلتي خلال سنوات الدراسة، عبر الهاتف. أخبرتني أنها ستدعو أيضا زميلين لها في مكتب السياحة الذي تديره الآن. وسألتها إن كنت أعرفهما، لكنها واصلت حديثها قائلة إنني سأنسجم معهما، لأنهما يحملان مثل أفكارنا.

تزوجت سارة وتطلقت خلال بضعة أشهر. عندما علمت أنها تطلقت لم أكن أعلم أنها تزوجت. والى الآن لا أعرف سبب طلاقها. لكنني أعلم أنها احتفظت من ذكرى زواجها السريع ببضع تحف صينية وافريقية، الى جانب قبعة قش ضخمة معلقة على الحائط، وبضع صور تظهر وحيدة فيها.

– أنتما صديقتان مقربتان؟

سألتُ رانة.

– يعتمد الأمر على الطريقة التي ستنتهي بها السهرة.

قالت ذلك، ثم أطلقت إحدى ضحكاتها.

وأدارت سارة جهاز الصوت الموصول باللاب توب، فانبثقت الموسيقى من الجدران:

– خمرة الحب اسقنيها..

،

تبدو المائدة نظيفة الآن.

انتهت سارة ورانة من حمل الصحون الى المطبخ قبل قليل، فيما كنا أنا وحسام، منخرطين في الحديث عن خصلة شعره البيضاء. تظاهرت بالاهتمام، ورحت أنظر إلى عينيه بجدية وأهز رأسي وهو يتحدث عن نوع الصبغة التي يستخدمها. لكن سارة قاطعته:

– كذاب. هذه رعبة.

كان صباح فخري لا يزال يحاول اختراق الجدران. وقالت رانة وهي تنظر الى رفيقتها من فوق كتفها:

– هل تتذكرين؟ كان سيقتلنا.

نظرت سارة الى حسام:

– تفوووو.

فانفجر الشاب ضاحكا، ثم زايل مقعده. ولاحظت الآن فقط أنه كان يتحدث إليّ من دون أن يعني ما يقوله فعلا.

قالت سارة إنها تريد أن ترقص، وطبعت قبلة مفاجئة على فم رانة. أما حسام، فراح يطوح بذراعيه عاليا، ثم توسطهما، وهو ينظر إليّ كاشفا عن صف أسنانه البيضاء.

طلبت مني سارة مشاركتهم الرقص، ولكنني رفضت.

وأشارت رانة إليّ بسبابتها، أن: تعال.

كنت سأستجيب لها، بالطبع، لو أن دعوتها سبقت دعوة سارة. أما الآن، فالأمر يبدو مستحيلا.

____________________________

شاعر وصحفي من فلسطين مقيم في الإمارات العربية المتحدة

 

الصورة من أعمال السينمائي والفنان التشكيلي السوري رائد زينو

*****

خاص بأوكسجين


شاعر وصحافي من الأردن. من مؤلفاته: "ليكن لي اسمك"" 2011 و""فرد في العائلة"" .2014"