تعال، ولنركل الاسماك
العدد 159 | 06 تشرين الأول 2014
قصي اللبدي


1

لم أصبح رجلا ثريا. لكنني أستطيع شراء أشياء لا أحتاج إليها. أما الأشياء التي أحتاج إليها، وغالبيتها مما يمكن تسميته “احتياجات يومية”، فأشتري منها عددا أكبر مما أحتاج إليه فعلا.

معنى ذلك أنني لن أحتاج إلى الأشياء التي أحتاج إليها، يوميا، لأسبوعين أو ثلاثة، وربما لفترة أطول من ذلك.

وللحقيقة، فإن قائمة احتياجاتي الفعلية، الشخصية، قصيرة جدا، فأنا لا أنفق مبالغ طائلة على تذاكر الطيران السياحية، مثلا، لكنني – في المقابل – أدخن شهريا بما يعادل ثمن تذكرة طائرة الى عمان أو بيروت.

الشراء يحيطني بهالة من النور، إنني أبذل مالي برضا، كما لو كنت إلاها حافيا يطبع البركة على جباه المعدمين.

2

أطلت المرأة بقفازيها القماشيين، الملونين، محتضنة صينية سمك بيضوية، ووضعتها على الطاولة، كانت عينا الزوج تبحثان في محفظة الجيب. وفي نهاية الأمر، طلب مني – من دون أن يخرج عينيه من المحفظة – أن أنتظر قليلا.

– اجلس هنا.

ظهر شاب نحيل بخصلة شعر مجدلة، فجأة، وتبادل مع والده بضع كلمات غير مفهومة، ثم اختفى. عندما ظهر مجددا كان يحمل خمسة دنانير، ورقة واحدة. طلبت المرأة من الشاب أن ينتظر قليلا. خلعت أحد قفازيها وتناولت الورقة الحمراء من بين أصابعه، بيدها العارية، ثم اختفت.

قال الرجل: كل.

ولكنني لم آكل.

كانت رائحة التوابل المميزة تتنقل في الغرفة الواسعة ممزوجة بالبخار، كأنها تؤدي مهمة.

عندما ظهرت المرأة مجددا، كانت تحمل ست قطع معدنية. نظرت الى الزوج من فوق أنفها، وهي تحصيها أمامه، فزم شفتيه، وهز رأسه أن: لا.

قالت، وهي تنظر نحوي مباشرة:

– انتظر قليلا.

اختفت المرأة والزوج والابن.

نظرت إلى صينية السمك. صف مبهّر من الأهلة الفضية، بأعين مستديرة، وزعانف مرحة. كدت أمرر اصبعي على القشرة القصديرية، المحمرة، لولا أن الابن النحيل ظهر فجأة، بجديلته اليسوعية، وتبعه الاب، ثم الزوجة. لم أكن قد حركت اصبعي لكنني فجعت لمرأى أثرها على جلد السمكة.

– انتظر قليلا.

قال يسوع.

3

أضع سمكة في فمه،

وأدعها تسبح في أحشائه طوال ساعات النهار.

وإذ ينام،

يخلع القمر قميصه الصدفيّ، ويغطي بلآلئه رجليه الصغيرتين،

حادبا عليه،

ثم يسبح عاريا في العتمة.

4

أريد بشدة أن أعود الى الوراء، لأعطي لنفسي – مما لا أحتاج إليه الآن – ما كنت في أشد الحاجة إليه أمس. أريد أن أهمس في أذن الطفل: انس منطق الوقت، وتعال إليّ هنا، حيث أنتظرك، مستلقيا على رمال الشاطىء.

تعال،

ولنركل الأسماك معاً

_________________________

شاعر وصحفي من فلسطين مقيم في الإمارات العربية المتحدة

 

الصورة من فيلم “كلاب شاردة – Stray Dogs” للمخرج التايواني تساي مينغ ليانغ 

*****

خاص بأوكسجين


شاعر وصحافي من الأردن. من مؤلفاته: "ليكن لي اسمك"" 2011 و""فرد في العائلة"" .2014"