بباب موصد وصدرك
العدد 204 | 17 كانون الأول 2016
علي الشداخ


1

لوقتٍ طويل، مضى الوقت برفقتي، حزينًا ومكسورًا دائمًا.

هذا الأمر ينتابني الآن، أن أخرج برفقة أحدهم، ولكني أعلم مسبقًا يقينًا بأني سأكون وحدي، أنا وحدي، برفقته.

أنسلخ أو أختزل، المهم أني أتجاوز الملموس وأصبح شخصين، شخصٌ بجسده خارجٌ برفقة صديق. والآخر ذاته، يجلسُ في البيت متحسرًا على وجود جسده بالخارج.

ينتابني الحزن كثيرًا، وأضحك رغماً عنه، إذ كثرة ضحكي لا تدل على أكثر من عدم فهمي لهذا الحزن الذي يوقظني فجأة. ربما لأن الحزن يعني الهدوء. العمل صامتًا. أن تعمل لأن الوقت يمضي برفقة أناسٍ تحبهم، لكنك لا تريد منهم أن يحشروا أنوفهم داخل حزنك وهدوئك.

أردتُكِ صدرًا، لهذا الإزعاج اليومي، أعود منهُ إليكِ، أرمي خلف هذا العالم كل شيء لئلا يحزن إن رميت “كل شيء” عليه. إني أشعر بهذا العالم أيضًا، رغم إزعاجه، حزينٌ و يشبهني.

كان يشبهني! الآن لم يعُد! لم يجد حبيبته بعد، بينما اكتفيتُ من كل شيء، و أريدُ أن أستريح خارج هذا العالم. ببابٍ موصدٍ، وصدركِ.

 

2

أخشى أن أدفع بهذا الحزن بعيدًا، وأبقى فارغًا في المنزل، بينما أكون سعيدًا ومُمِلاًّ، ربما أبحث عن أصدقاء أيضًا، لن أكون وحيدًا برفقة أحد.

أخاف من هذا العالم، رغم شجاعتي، تخيفني أدمع الإناث أكثر من أي شيء. أتقوّض، أتراجع، مثل قطٍّ للتو يستوعب ضخامة ما يواجهه، سرعان ما أجد مبررًا للهجوم رغم ضآلة حجمي؛ جربتها مرة و صرت أؤمن بعدها بأني كبرتُ، وأني حين أقول، فأنا مُلزَمٌ بما قلته، فحين قلت لأحدهم؛ ستندم يومًا. ها هو يندم. أندم لأنهُ يندم.

هادئ، قد لا يبدو وجهي مزيجًا جيدًا للكثيرين، قد يتجاهلني الكثيرون، لكنهم سرعان ما يتراجعون حين يقتربون، أو يكتشفون بعد إطلالة من إحدى نوافذي؛ أن شكلي لا يعني ما أنا عليه. أضحك بصوتٍ مرتفع، نكاية بأن تصل الضحكة للبئر الذي أجلسُ في قاعه حينما أتحسَّر وحيدًا في المنزل. لا زلتُ حقيقيًا بالخارج، برفقة أحد، أعود لعلوّي.. أقول؛ انتدبتُ صدري، وأعنيكِ.

ليس من شيءٍ أنتدبهُ الآن. عليَّ أن أتلمَّس ظهري بعناية، أريد أن أستريح، فالجنود سيصلون حتمًا، وإن تأخروا.

 

3

قصدنا، أننا حين ندخلُ التهمة، نخرج من بابها الخلفي، و أنّ الأمامي ليس موجودًا أساسًا. خرجنا منها بلا أكتاف، نصطفّ طابورًا طويلاً طالبين من الوثيقة القديمة أن تشهد كم عاملناها باللُطف الذي طلبته، كزوجةٍ قديمة تعترف بترهلاتها.. على الجديدة أن تقتنع؛ ليس لطفًا. إنْ اصطففنا، بلا أكتاف، ليسَ لُطفًا بقدر ما للعُمر حقّه.

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من السعودية.