المونديال سينمائياً: عضة سواريز ونطحة زيدان
العدد 155 | 02 تموز 2014
زياد عبدالله


يمتلك مونديال كأس العالم في البرازيل مالئ الدنيا وشاغل الناس حول العالم، قدرة استثنائية على تقديم الدراما في أعتى تجلياتها، ولعل مقاربته سينمائياً لن يكون بحال من الأحوال ترفاً، أو تحريفاً لما له أن يكون لعبة رياضية، فالأمر بالتأكيد يتخطى الرياضة، فمثلما تجتمع في المباريات التي نتابعها – وقد وصلت الفرق المتأهلة الدور الثاني – نواح متعددة انسانية يتداخل فيها الحماسي بالجمالي بالوطني، فإن أي مباراة شهدها وسيشهدها المونديال، تحمل بنية درامية مدهشة تجري أحداثها في 90 دقيقة (الزمن المثالي لأي فيلم) لها أن تمدد لثلاثين دقيقة ومن ثم الركلات الترجيحية، وهكذا يمكن أن نقابل “الحماسة” بالتشويق، وأن نكون حيال حكاية تحمل سمات التوتر والفضول والمفاجأة، بحيث يبقى التوتر والفضول حاضران على الدوام كون المتابع أو المشاهد يعرف تماماً ما يشاهده (أي الحدث الأساسي سينمائياً) وبالتالي فإنه دائماً على اتم الاستعدد للمفاجآت، وما أكثرها، وكم هي قادرة على التنوع في كل نزال كروي.

يتجلى في الصراع الكروي صراع الخير مع الشر ، فلكل مشجع أن يجد الخير كل الخير متجسداً في الفريق الذي يشجعه، بينما يكمن الشر في الخصم، كما أن الصراع الانساني وبالتالي الدرامي مع القدر يكون ماثلاً بقوة، كذلك الأمر مع العدالة التي تطل برأسها مع نتيجة المباراة، وصولاً إلى الثأر والغيرة والنبالة والشرف والخداع والكثير من المفاهيم التي تشكل دوافع انسانية أصيلة ومحركات درامية لأي صراع درامي، لا بل إن الأمر يتعدى ذلك في كرة القدم إلى ما هو خارج سياقها أيضاً، مثلما هو الحال مع عضة مهاجم الأرغواي لويز سواريز لمدافع المنتخب الايطالي جيورجيو كيليني، حيث يطغى هذا الحدث الثانوي على الحدث الأساس ويصبح أكثر أهمية من نتيجة المباراة ويبقى ماثلاً أكثر من أي شيء آخر في الأذهان، كما هي نطحة النجم الفرنسي زين الدين زيدان لصدر لاعب المنتخب الإيطالي ماركو ماتيراتزي في نهاية مونديال 2006 التي ألفت عنها الكتب وألهمت الكثير من الأعمال الأدبية وقد نحت الفنان الجزائري الأصل عادل عبد الصمد تمثالاً يخلّد فيها تلك النطحة الشهيرة، لا بل أطلق على زيدان في الصحافة الفرنسية والعالمية لقب “أخيل العصر الحديث” في إحالة إلى إلياذة هوميروس.

 

وإن كان فيما تقدم إضاءة أولية للمضي خلف هذه المقاربة للعبة كرة القدم، فإن ما تتأسس عليه، يتخطى أيضاً مجاورة الفن لكرة القدم، كأن نتحدث عن أفلام تمركزت حول هذه اللعبة، كما هو على سبيل المثال فيلم أمير كوستاريكا عن مارادونا، أو فيلم كين لوتش “البحث عن ايريك” حيث يتحول ايريك كونتونا إلى ملهم لإيريك بيشوب، وغيرها من أفلام تمحورت حول لاعب أو جرت أحداثه في ظل هذه اللعبة التي يصفها الكاتب الأرجنتيني بورخيس بـ “احتفال للعيون التي تنظر إلى الجسد الذي يلعب”، وليكون هذا التوصيف البورخيسي نقطة انطلاق نحو لذة المشاهدة ومتعة المتابعة والتي تدفع للقول إنه لا مثيل لها، لكن في إحالتها إلى الشاشة وآليات التلقي السينمائي والكيفية التي يجتمع البشر بها على متابعة كرة القدم على شاشات التلفزيون والسينما أيضاً، بعيداً عن المتابعة المباشرة على مدرجات الملعب إذ إن في هذا الأخير تكون الفرجة مسرحية بامتياز.

تحمل هذه اللعبة العجيبة عدا عن بنية الفضول والتوتر والمفاجأة سابقة الذكر، البنية الرئيسة للفيلم المتمثلة بالبداية/الاستهلال، والوسط/المواجهة، والنهاية/الحل، لكن وما أن تبدأ المبارة حتى تبدأ المواجهة، فإن وصفت البداية بالحذرة فنحن حيال الاستهلال كما في أي فيلم تقليدي له أن يعرفنا على اللاعبين وعلى أسلوب كل فريق، وقد يلغى الاستهلال ونبدأ من وسط الفيلم أي المواجهة أو الصراع، واللعبة من أولها إلى آخرها صراع، والنهايات تكون دائماً كامنة في المرمى، وهكذا إن كان لنا أن نقارب لعبة كرة القدم بوصفها فيلماً، فهي بالتأكيد كذلك، لكنها خارج أن يكون لها بداية ووسط ونهاية بتسلسل منطقي، لا بل إن اللاعبين يمتلكون طيلة الوقت القدرة على تغيير هذا الترتيب، وإعادة انتاجه مراراً، كما أن نقط التحول الدرامي تحدث في لحظة أو برمشة عين وهي متمثلة بالهدف الذي لا يمكن توقعه، وكل من يتابع متطلع إلى النهاية بالفوز، فما من حل إلا بالفوز كما هو الحال الآن في الدور الثاني من مونديال البرازيل الذي سأسمح لنفسي بوصفه بأجمل مونديال في تاريخ المونديلات، ولئلا أكون إطلاقياً فأعدّل هذا التوصيف إلى القول إنه أجمل مونديال أتابعه في حياتي.

____________________________

الصورة من أعمال المصور الفوتوغرافي المصري مراد السيد

*****

خاص بأوكسجين


كاتب من سورية. مؤسس مجلة أوكسجين ومحترف أوكسجين للنشر. صدرت له العديد من الروايات: "سيرة بطل الأبطال بحيرة الانكشاري ومآثر أسياده العظام (1984 هـ)" – (2019)، و"كلاب المناطق المحررة" (2017)، و"ديناميت" (ط1: 2012. ط2: 2018)، و" برّ دبي" (ط1: 2008. ط2: 2018). وله في القصة القصيرة: "سورية يا حبيبتي" (2021)، و"الوقائع العجيبة لصاحب الاسم المنقوص" (2016). كما صدر له شعراً: "ملائكة الطرقات السريعة" (2005)، و"قبل الحبر بقليل" (2000). من ترجماته: "محترقاً في الماء غارقاً في اللهب-مختارات من قصائد تشارلز بوكوفسكي" (2016)، و"طرق الرؤية" لجون برجر (2018)، و"اليانصيب وقصص أخرى" لشيرلي جاكسون (2022). وله أيضاً كتاب مختارات من التراث العربي بعنوان "الإسلام والضحك- نواضر الخاطر في كل مستطرف باهر" (2018)،  و"لا تقرأ هذا الكتاب إن لم ترَ من السماء إلَّا زرقتها" (2023) الصادر عن محترف أوكسجين للنشر.