عينه على عصفور الدوري*
إلهى! غفرانك،
لأننا نرفع إليك عريضة التوسل هذه.
لكن لا ملجأ لنا غيرك.
فالمجلس العسكري لا يستجيب
والجرائد لا تجيد سوى النكت والصمت.
ومحكمة الاستئناف لا تسمع
مرافعة الدفاع،
أما المحكمة العليا فقد أمرتنا بالكف والتخلي.
ولا يجرؤ أي مركز شرطة
على قبول عريضة التوسل هذه من عائلته.
يا رب…
أنت الموجود في كل مكان
هل كنت في “فيلا غريمالدي”* أيضاً؟
يقولون أن أحداً لم يغادر
“كولونيا ديجنيداد”** أبدا…
أو قبو شارع “لوندرز”
أو أعلى طابق في الأكاديمية العسكرية.
هل رأيته؟
إن كنتَ قد رأيته،
إن كنتَ موجوداً في كل مكان حقاً،
أرجوك أجبنا!
حينما كنتَ هناك… هل رأيت ابننا جيراردو؟
يا رب لقد عمّدناه في كنيستك!
إنه جيراردو الأكثر ثورية ً
و أحلى الأربعة.
إن كنت لا تتذكره،
فبإمكاننا أن نرسل لك “سناب شوت”، صورة،
مثل تلك التي تُلتقَط في الحديقة أيام الأحد.
حينما رأيناه لآخر مرة،
مباشرة بعد العَشاء،
في تلك الليلة التي طـُرِقَ فيها الباب،
كان يرتدي معطفاً أزرق
و “جينزا” باهت اللون
لا بد أنه ما زال يرتديهما حتى الآن.
يا ربنا الذي يرى كل شيء…
هل رأيته؟
_______________________
*العصفور الدوري طائر صغير ، و تم ذكره بلسان يسوع في (إنجيل متّى) كناية عن العناية الإلهية في نشيد عين على العصفور.
** الشرطة السرية التشيلية
*** أو ما تعرف بمستعمرة الكرامة و تقع في مقاطعة معزولة وسط تشيلي.
***
حمورابي* ملك بابل العظيم ، يحمل كلمات من الجانب الآخر من الموت إلى دونالد رامسفيلد**
قوانيني هي
العبيد لهم حقوق
و حتى النساء المعنفّات من قِبل أزواجهن لهن حقوق
الأبناء بالتبني… العاهرات… المرضى…كلهم لهم حقوق
حتى الثيران في الحقول
البناؤون و الحلاقون والبحارة
كل هؤلاء لهم حقوق
حتى الثيران في الحقول…
أنا حمورابي
أنا راعي المظلومين والعبيد
و أعمالي الحسنة تظلل المدينة
فمن تَـبـَـقَّى ليتحدث؟
من يسرق ممتلكات أي معبد فحكمه الموت
أي أحد سيسرق ابن غيره القاصر، فحكمه الموت
و أي أحد يُحدث حفرة في بيت فحكمه الموت
سأقطع لساني و لا أعاود تكرار هذه الكلمات
سأقطع لساني و لاأعاود تكرار الكلمات
كلماتي التي عاشت لأربعة آلاف سنة
و الآن أراها محطمة تحت الأنقاض
تلك الأرض التي كانت بابل
إذا لم ألعنك ..
قوانيني و قوانينك تحت الأنقاض
مجدي و مجدك قد ذهب .. ذهب .. ذهب
إذا لم ألعنك فمن سيجرؤ على ذلك؟
_____________________________
*حمورابي أحد ملوك بابل بين عامي 1686-1728 قبل الميلاد، و قد اشتهر بمسلة حمورابي أو شريعة حمورابي ، التي خطت على حجر الديوريت الأسود – موجودة في متحف اللوفر بباريس- و هي تحتوي على 282مادة تعالج مختلف شؤون الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و العسكرية و اشتهر بعدالته.
**دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق كان من أشد المؤيدين للإمبراطورية الأمريكية و لاستخدام القوة لتحقيق الغايات ، و اشتهر بقتل ملايين البشر خلال الحرب العالمية و الحرب على أفغانستان و العراق.
***
استهلال: ذلك الضجيج الذي يصم الآذان… هو شاحنة النفايات.
انكسر الكوب اليوم،
كيف كنت أخرقا لهذا الحد.
لقد تلبسني الحزن حينما انكسر
إنه الشيء الوحيد الذي اشتريته مباشرة
حين مغادرتي البلاد.
الوحيد الذي عثرت عليه
يمكنك أن تقول إنه الصديق الدائم
أحمر برّاق، تزينه نقط بيضاء
لشرب القهوة بالحليب* في الصباحات
صباحات البداية.
هكذا لم تتطاير شظايا
لم نجد قطعا تفاجئنا لاحقا
في الشوربة أو تحت أقدامنا أو على رموش أعيننا
لقد التقطتُ كل الشظايا الصغيرة
جلست القرفصاء
بداية الأمر، ثم على أربع
مع اهتمام مطلق… كطفل معاقب
ينفذ عقوبة كررها مراراً
بهدوء .. بهدوء
ثم ببطء
لقد امتلكناه أكثر من أربعة أعوام
اليوم كسرت الكوب
و بدأت غربتي.
_________________________
*ذكرها المؤلف بـcon leche (كٌن ليشِي) تعني القهوة المضاف لها الحليب بالإسبانية
**أرييل دورفمان. ولد عام 1942. كاتب وممثل ومنتج ومخرج تشيلي – أميركي. كتب دورفمان الشعر والرواية والقصة القصيرة والنصوص المسرحية والسينمائية والدراسات النقدية في الأدب والفن. وقد تُرجمت أعماله إلى ما يقرب الخمسين لغة. وقد شغل -وما يزال- موقع بروفيسور في “جامعة ديوك” في نيويورك، لتدريس أدب أمريكا اللاتينية، إضافة إلى نشاطه كمحرّر دائم في صحف واسعة الانتشار، مثل”نيويورك تايمز”،و”لوس أنجلوس تايم”،و”ناشيونال” وغيرها. كما عُرف عنه كونه ناشطًا بارزًا في منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان. عاد دورفمان إلى تشيلي برفقة زوجته وولديْه عام 1990 بعد زوال حكم الدكتاتورأوغستو بينوشيه، ومنذ ذاك التاريخ وهو يعيش مُوزّعاً بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
الصورة من فيلم “الجمال العظيم” للمخرج الإيطالي باولو سرنتينو. للتعرف على الفيلم يمكنكم قراءة (“الجمال العظيم”.. مفاتيح لأبواب روما المشرعة) ضمن مواد هذا العدد.
*****
خاص بأوكسجين