أنشودة ريجينا عند النهر
لو كانتْ عِنديَ أُخْتٌ تَمشطُ لي شَعْريَ
ما حاجَتي إلى نَهْرٍ أو مِرْآةٍ..
لِنَنتظرْ مَراكبَ الصَّيفِ،
قال بَرْعَتا
ففي مَراكبِ الصَّيفِ يَصِلُ التاجرُ الفينيقيُّ
وفي صُندوقهِ أَخْطَفُ المَرايا، صُنِعتْ في أَسْواقِ صَيدا
نحاسيةً ومُزجَّجةً،
ولها إِطَارٌ مِنَ اللازَوَردِ
وجِرابٌ من جِلْدِ الغزالِ ونَقْشُ تَمِيمةٍ لبُوصيدون..
أَنْظُرُ وَجْهيَ في الماءِ
وأرَاكِ،
بجِدائِلكِ الصّفرَاءِ، ورِمْشِك المُبَلَّل..
سايتادا
سايتادا..
يا أمي الصغيرة
لو كانت عِنْدي أُختٌ تَمْشُطُ لي شَعري،
وفي جِوَارِنا يَمُرُّ الماءُ
ما حَاجتي بالمَراكبِ والمَرايا
وبالفينيقيِّ وصندوقِه في الصَّيفْ.
رامي القَوسِ مِن تدمرتا
اليومَ لن أصعدَ إلى المَعْبَد
لا نذورَ عندي لجُوبِيْتَر، ولا حَتًّى لِبَعْل..
ما أفعلُ بآلهةٍ لم تَشْفِ غَليْليَ، ولو لِمِرّةٍ،
بِجَوابٍ عن سُؤَالٍ.
أَعْطَيْتُ ربْعَ قَرْنٍ من حَيَاتِي لِهَذا الهَواءِ اللاّسِعِ،
بَعِيداً عن شَمسِ تَدْمُر،
ووَتّرتُ الأقواسَ لأنَالَ من الفَتى الكَالْذُونيّ المُلوَّن بِسَهْمِيَ المُجَنّحِ
أمّا وقد نَزَلْتُ عن السُّورِ
بآلامٍ في الرُّكْبَةِ،
ودراخماتٍ قَليلةٍ لا تُوصِلُني حتّى إلى لوندينيومَ على النّهْر،
فَلِأجدِّفْ إذن،
ليلَ نَهَار،
ولِتَسْمَعَني آلِهَتيْ وتموتَ من الغَيْظ..
مادُمْتُ لن أحْظَى، ولَوْ في المَنَام، بِمَرْكَبٍ يَحْمِلُني إلى بَانياس
والأرْجَحُ أن أَموتَ وأُدْفَنَ، هنا، في جِوارِ هذا السُّورِ الأحمق،
ولا أرَى سُوريا مَرَّة أُخْرَى.
هل يُنْتَظَرُ مِنّي أنَا المُحَارِبُ الذي ضَيَّعَ حَيَاتَه في غَابةٍ يَلتَهِمُها الضَّبَاب
أَن أُصَحّحَ لآلِهَتي الفَاشلةِ أخْطَاءَها المُتَكَرِّرة؟
أصَابعُ جُوْليا دومنا المَفْقودة
أفكارُ الوَصِيفةِ بعد مَقتَلةِ الأَخَوين
كَمْ مرَّةٍ سيُغْمِدُ كَارَكَلا سَيفَه في أحْشاءِ الجُنْديِّ الذي بَتَرَ أصَابعَ الإمْبَرَاطورة
«كان المقصود قتل الشّقيقِ
وليسَ تشويهَ يَدِ الأمِّ…»
هكَذا كَتبَ المُؤرِّخُ في صَحائفِ ذلك اليَوم.
ويَا لَها مِنْ فَضيحةٍ، أن تظهرَ الإمْبَراطورةُ في المَأدُبةِ بيدٍ فقدتْ ثلاثَ أصابع.
حتّى لَو كَانَ كَاركَلا سيُرسِلُ الجُنْديَّ المُذْنبَ ليرمِيَ نفسَه من حافَّةِ الجَبَلِ
فلن يَتغيًّر شيءٌ!
أمّا هي، سيِّدةُ رُومَا المتحدِّرةُ من سُلالةٍ سُوريةٍ نبيلةٍ،
فلن تلتفتَ لتنظرَ أصَابِعَها التي بُترتْ وطاشَت على الرُّخامِ،
ولا الدمَ الذي نَفَرَ ولطَّخَ الأرَائِكَ
جَسدُها الذي استَشعرَ نَصْلَ الشَّقيقِ على نَحرِ الشَّقيقِ
تَخَدَّرَ، فجأةً
ولم يَبقَ في الحواسِّ شيءٌ حيٌّ
سوى تلك الانقباضةِ الأليمةِ في الرَّحمِ.
نباهَتُكِ التي جَعَلَتْ مُشَرِّعي رُوما يستقبلونَ سيبتموس بإكْليلِ الغارِ
ذابتْ في كأسِ الابنِ القاتلِ كحَبّةِ الحنظلِ.
والآنَ،
إلى أينَ مَضَتِ الوصيفاتُ في لَيْلةِ الأخَوَيِنِ،
بالأصابعِ المَقطوعةِ لجُوليا دُومْنا؟
————
من مجموعة بعنوان “الأفعوان الحجري – مرثية بَرْعتا لمحبوبته ريجينا”، صدرت أخيراً عن منشورات المتوسط في ميلانو. خيرا
*****
خاص بأوكسجين