أم قبيل الحرب
العدد 154 | 15 حزيران 2014
هاني نادر


لا سويد ولا ألمانيا ولا بطّيخ.

اليوم سافرتُ إلى بلاد الله، نعم نعم إلى الجنة، سمّها ما شئت، دخلتُ و قدّمتُ إلى أحد الموظفين هناك طلباً بزيارة امرأةٍ أربعينيةٍ جميلة، تضع نظارة طبية و بين يديها كتاب لنزار قباني بعنوان “أجمل قصائدي”.

تمت الموافقة، ودخلت.

كانت تنتظرني على طاولة خشبية عتيقة، لم تتغيّر رغم السنوات السبعة التي مضت، هادئة، ساكنة، ابتسامتها التي شغلت الناس في أرضنا، تشغل الملائكة في الجنة.

قبلةٌ على جبينها، و أخرى على قدمها، و جلست، طلبتُ من الغارسون الملاك أن يجلبَ لنا قهوة سادة كما تحب، و شمعتين لنحتفل بعيدها كالمراهقين، قدمتُ لها علبة السجائر المفضلة لديها ” Viceroy”، بعد أن رشوتُ الملاك الحارس لتهريبها، وأدخلتُ معها أيضاً صور عدسة الشاب الحمصي، و تقارير عمّا يحدث تحت، و أغنية دريد لحام “يا مو يا ستّ الحبايب يا مو “، و موبايل لتصفح الإنترنت كي نتواصل، و بضعَ سلامات من محبيها.

ضحكنا و ضحكنا حتى كدْنا نموت من الضحك، أو تقنياً كدْتُ أنا فقط، قرقعنا المتة و “شلينا” على كل الناس والملائكة حتى طنّت آذانهم، ثم أتى ذاك الملاك البغيض، و أنهى كل شيء.

انتهى وقت الزيارة.

بكتْ، و عانقتْني، أوصتني بالسّلام للجميع. فرحْتُ أجمع دمعاتها التي سقطت على بلاط السماء، وأودعت أنفاسها في كيس نايلون، سأفجّره عند عودتي، سأزرع دمعةً من دموعها في حمص بجانب الساعة، ودمعة في كفرْنبل وحلب، دمعة في ساحة عباسيين في دمشق، دمعتين في لاذقيتنا و جنوبنا، سأنشر أنفاسها في كل سنتيمتر من بلدي، سيعمّ السلام ﻷنها سيدة السلام، ﻷنها روح السلام.

الوطن هو كل شبر تراب ذاق قداسة قدمها، و الخرائط حين يريد حذاؤها تُرْسمُ.

لروحها سلام..

_______________________

كاتب من سورية

الصورة من أعمال المصور العراقي فاضل عباس هادي وهي منشورة ضمن كتاب له بعنوان “ولا تنسَ أن السيدة لايكا تنتظرك بالبيت”، والذي يمكن التعرف على مضمونه من خلال قراءة المخرج والسينمائي قيس الزبيدي له في زاوية “كتاب” ضمن مواد هذا العدد.

*****

خاص بأوكسجين