أليس ووكر.. الصدق يوسّع آفاق الحب
العدد 216 | 19 تموز 2017
ماريا بوبوفا


في مقالتها الجميلة حول الكذب والدلالات والمعاني الفعلية لـ “الصدق”، كتبت أدريان ريتش: “تعد الاحتمالات الكامنة بين شخصين، أو بين مجموعة من الأشخاص نوعاً من الكيمياء. إنها الشيء الأكثر إمتاعاً في الحياة. والكاذب يخسر دائماً رؤية هذه الاحتمالات”. وفي جزء من الحوار البديع الشامل الذي أجرته معها مقدمة البرامج الكندية إليانور واكتيل عام 1995، وورد في كتاب “في صحبة باقة جديدة من الكتّاب: حوارات جديدة مع مقدمة البرامج في إذاعة سي بي سي إليانور واكتيل”More Writers & Company: New Conversations with CBC Radio’s Eleanor Wachtel (المكتبة العامة)- تطرقت أليس ووكر (مواليد 9 شباط 1944) إلى آفاق الاحتمالات التي تزداد رحابة بشكل يفوق التوقعات لدى اختيارنا لعدم الكذب حتى عندما تكون الحقيقة صعبة، والخلاصة الرائعة الناتجة عن حكمة الكتّاب، الحكمة التي قدمت لنا جانيت وينترسون التي تحدثت عن الزمن واللغة والغرض المنشود من الفن؛ وتشينوا أتشيبي الذي تناول معنى الحياة ومسؤولية الكاتب.

ولدت ووكر لأسرة من المزارعين المستأجرين مكونة من سبعة أطفال. وأصيبت بالعمى في عينها اليمنى عقب حادث وقع لها في الطفولة، وتروي ووكر الأشياء التي علمها إياها والدها حول قدرة الصدق على توسيع آفاق الحب:

عندما كنت في الثالثة أو الرابعة، قمت بكسر إناء، ونظراً لوجود أخوتي، كان بوسعي النحو باللائمة عليهم، أو التذرع بأنني وقعت. وأتذكر كيف سألني أبي إن كنت أنا من كسره، فنظرت إليه وفكرت، آه، أنا بالفعل أحب هذا الشخص وكنت لأُسعد لو أنني لم أكسر الإناء. من ناحية ثانية، كان ينظر إليّ بعينين تفيضان بالترقب، ووجدت نفسي منحازة لأكون عند حسن ظنه، وانتابتني حاجة ماسّة لقول الحقيقة، لأن هذا كان أروع شعور على الإطلاق. وهكذا قلت “أجل، أنا كسرت الإناء”. لم ينفعل ولم يصفعني أو أي شيء من هذا القبيل ولكنه اختار بدلاً من ذلك أن يقابل حبي اللامتناهي بابتسامة مشعة صوبها نحوي، وتلك كانت طريقته في تعليمي قول الحقيقة والاحتمالات الممكنة التي يخلقها الصدق. فعند قول الحقيقة، لن تنقذ نفسك من الانحباس في سجن اللاحقيقة فقط، بل وستجعل الشخص الذي يسمع الحقيقة منفتحاً وقد يكون سعيداً.

الاختيار بين الصدق والكذب، كما تقترح ووكر، هو اختيار بين البناء والهدم. إنه شعور يعيد إلى الأذهان فكرة بيرتراند راسل الجميلة التي كتبها عام 1926 حول الطبيعة البشرية- حين قال إن “البناء والهدم يرضيان بقدرٍ متساوٍ نزعة القوة، لكن البناء أصعب بشكل عام، ولهذا فإنه يولد شعوراً أكبر بالرضا في قلب الشخص الذي يستطيع البناء”- وتسلط ووكر الضوء على فكرة قالتها في أحد الأيام ومفادها أن الكتابة تنقذها “من خطيئة العنف وشرّه”:

ثمّة كمّ مريع من الغضب في العالم.. وهناك.. حاجة ماسة لأن نكون بنّائين عوضاً عن أن نكون هدّامين. أعتقد أن العنف إضافة إلى أنه بلا طائل في المقام الأول؛ فإنه أيضاً لا يحل أية مشكلة. كلما خلقت عنفاً أكثر كلما أصبح لديك عنفٌ أكثر. ولهذا فهو بالفعل شر من الشرور. إنه مثل الكذب، فأنت تحاول بشكل دائم تذكر كذبتك وكيف قلتها. وفي حالة العنف، إن كنت مسبباً له، فإنك تحاول دوماً اكتشاف سبب افتعاله أو كيفية التعامل مع الفوضى التي يتسببها العنف أو، لاحقاً، كيف تبرّئ نفسك منه. من الأفضل خلق شيء ما، من الأفضل أن نتحاور.

 […]

الحب يعني بالفعل ضرورة التحاور، وهذا هو منبعه. رأيت الكثير من العنف وأعرف أننا إن لم نقم بمواجهته، فإنه لن يزول، وليس هذا فحسب بل وسيتمدد.

______________________________

عن موقع “براين بكينغ”

*****

خاص بأوكسجين