أشياء
خارجَ الوقت، سأبوحُ بأشياء خلتُها انتهت. فيما تراودني على كتابةِ مونولوغ طويلٍ أستهلُّه بـ: أنا ميِّتٌ وأنتم تافهون. جملةٌ خفيفة أُتبِعُها بـ: ربَّيتُ النَّدم ككلبٍ لم يتخلَّ عنِّي يوماً وقد صارَ صديق العائلة. يرمقونه من بعيد ولا يقترب منه أحد. لا زلتُ أحتفظ بطعمِ القبلة الأولى من طبيبة ترعى المجانين اليوم في مصحة بجدران باردة. أتخيَّلني هناك متأرجحاً على كرسيٍّ هزَّاز أطقطق أصابعي وأتأمل ظلال الأشجار العارية. هكذا مرَّت التسعينياتُ في أغنية تافهة، على حدِّ سكِّين، بين أبراجٍ عاجية وقبور مفتوحة… مرَّت كشريطٍ إخباريٍّ ثقيل، بـ:كلماتٍ خاوية لا تشبه نعوشَ أصحابها.
أحرقُ ثيابي كي لا أنقل عدوى الكتابة لأحد
الترقبُ غيرُ مجدٍ الآن. ما سيحدثُ لاحقاً سبق وأن قرأته في فصلٍ مبتور من مخطوطٍ قديم عن بداية الخلق، كان عنوانه: غرابانِ وامرأة. أحاول استغلال الوقت الضائع. أغلِّف الأفكار الثورية في السيلوفان وأخبِّئها في ثلاجة معطلة. أزجُّ بالنساء اللاَّتي قتلنَ الطفل بداخلي في زجاجاتٍ أُحكم إغلاقها، ثمَّ أضعها على الرَّف. أتبرَّع بكتبي لمدرسة نائية. أحرقُ ثيابي كي لا أنقل عدوى الكتابة لأحد. أفرغُ دمي المسموم في أقربِ مجرى. أبيعُ عينيَّ الغائمتين في سوق شعبية متيقِّناً بأنَّني سأستعيدهما لاحقاً، ليومٍ أو يومين.
للظَّهيرة الأخيرة سأختارُ فيلم “أغنية حب لبوبي لونغ” وأرتمي كدمية خشبية على الأريكة.
كحول
مستسلماً كرهينةٍ لهذا الخواء، أتلعثُم في ترجمةِ بضع كؤوسٍ من كحولِ أبولينير. مراوحاً مكاني، أكتشف متأخراً أنَّ الساعات ليست هي الساعات. والباب الأزرق المفضي إلى الحمام قد يكونُ مزحةً قاتلة. لا أدري لماذا ألمحُ اسمي محلقاً في الهواء ومكنسةٌ صغيرة تطارده.
مستأجراً غرفةً ضيِّقة في نزلٍ بارد، أجرِّبُ طريقة أخرى للعيش. هناك أمرٌ أريدُ أن أختبر فداحته، إن كانَ خشبُ السقفِ سيتألَّم لشدِّ الحبل المعقودِ برقبتي. هل سيظهر ذلك كندبةٍ أو شرخٍ صارخ أم سيكون مجرَّد خطٍّ خفيف بالكادِ يُرى. ماذا عن مالكِ هذه الجدران القديمة عندما يجدُني معلَّقاً بابتسامةٍ تختصرُ سعادتي. هل سيُعكِّر المشهد نصفُ الدرامي هذا مزاجه. أم أنَّه في أسوأ الأحوالِ سيُغمى على عاملة التنظيف. وتمرُّ علينا، كغريبين معاً، دقائقُ أخرى دون مبالاة. لا أنكُر أنَّ سيناريو الموت وحيداً يُرعبني. سبقَ وتدرَّبتُ على الموتِ كبوذا في مقهىً شعبي، لكنَّني كنتُ هشًّا على النهاية.
بفارق زمني بسيط أتعثَّر بحافة الكأس
لستُ آخر الموهومين
ولا أنتظر أن ينتشلني أحد.
_______________________________
شاعر من الجزائر
الصورة للمخرج المصري عمرو بيومي
*****
خاص بأوكسجين