أسعد لا يملكُ كلّ قطعهِ
العدد 172 | 04 أيار 2015
عزة حسون


أنا جائع جائع 

كعصفور على صخرة نائية في بحر متسع و لكني لا أريد أن أموت.

رياض الصالح حسين

1

أنا المدعو أسعد عبد الجبار و ما يلي تسجيلات دقيقة لتفاصيل نجاتي من الموت. أنا المدعو أسعد عبد الجبار و قد نجحت بأن أبقى حياً و شفيفاً في بلد دمرته الحرب الأهلية. لقد نجوت حقاً. أنا مثال “حيّ” على سعة حيلة الإنسان فيما لو كنتم تشكون أبداً. أنا نوح. أجل! أنا نوح هذا الزمن لكن دون سفينة و لا حيوانات من كل الأنواع و بدون عقيدة ورغبة في البطولة و لا حمامة تبحث عن يابسة. أنا نوح لأنني قررت ألا أموت، بل و أطمح إلى أن أحيا. قررت أن أبقى قطعة واحدة سليمة حتى تنتهي الحرب، سليمة من كل خدش قد يصيب معنى جسدي، و حتى لو فقدت حياتي أو أعضائي في هذا الوقت سيكون المعنى بأمان، في صندوق خشبي بمكتب مراقب بالكاميرات و في كيس بذار الفول المُخبأ في العليّة و في جيب صديقي الحميم. 

2

في السويد لا توجد أشلاء

البارحة أخبرتني جارتي بابتسامة غامضة أنهم سيبيعون كل ممتلكاتهم و يهاجرون إلى السويد. لم أحر جواباً و جاهدت أن أقوم بردة فعل فما كان مني إلا أن قلت لها: ” السويد باردة جداً.” حدقت في وجهي و كأنني أحمق. كنت أحمقاً حقاً، ففي الحقيقة كنت أريد أن أقول لها:” ارحلوا إلى بلادٍ باردة بلا حرب و لا احتمالات أطراف و أشلاء بشرية متطايرة في الجو.” عندما يصلون إلى السويد لن يكون هناك أشلاء متطايرة. هذه حقيقة كما الشمس. أخبرني صديقي ر. ج أنه كان في منطقة القزاز في دمشق عند التفجير و كان محظوظاً ربما أو لم يكن محظوظاً، فهو لم يصب سوى بشظية في خده أمّا الرجل الذي كان أمامه فقد طار رأسه! سألته عن شعوره في تلك اللحظة و أجابني شارداً: ” قبل الإنفجار بثانية كنت أنظر إلى شعر ذلك الرجل و أتساءل كيف أنه استفاق اليوم صباحاً و مشّط شعره بعناية. أتعرف يا أسعد؟ على المرء أن يمشط شعره جيداً و يرتدي جواربه الجيدة كل يوم و يضع ساعته المفضلة، فلربما تموت أو تفقد طرفاً في ذلك اليوم. لا يجب أن تموت أو تخسر شيئاً دون أن يكون في أبهى مظهر. إنه اللقاء الأخير يا أسعد! الأخير!”

ليما خسرت أهلها في حلب عندما هبطت قذيفة هاون على بيتهما. عندما دخل الناس البيت لم يكن هناك سوى أشلاء و بقايا جلد ملتصقة على الحائط. كانت يد والد ليما عند العتبة تشير إلى الباب.

” أبي أرادني أن أخرج، أشار إلى باب البيت لذلك يجب أن أرحل.” قالتها بحزن عندما ودعتها في المطار بعد أن قررت أن تعيش مع عمتها في أستراليا. تعانقنا و اكتشفت للمرة الأولى أنها تبكي بدموع غزيرة و بأنف أحمر، فأنا لم أرها يوماً تبكي. كانت جميلة لدرجة مؤلمة و لم أرد أن أفلتها.

” وداعاً.” أفلتتني.

” إلى اللقاء.” أكدت بعناد.

” بل وداعاً.” و توجهت نحو البوابة دون أن تنظر إلى الخلف و كأنها تلحق بيد دليل.

الأستاذ سلوان الراسي أخبرني لاحقاً أنّ ليما لن تعود أبداً. قالها بكثير من الثقة و طلب مني أنّ أكف عن الأمل. اجتاحني حزن قاتل فالأستاذ سلوان يملك حاسة سادسة كتلك التي تملكها الأمهات و الناجون من الموت، و هو دوماً على حق. 

” لن تعود يا أسعد كما أنا لم أعد بعد أن فقدت الإحساس بأصابعي.” قالها بحزن شديد.

أطرقت حزيناً و لم أتكلم.

” لن تعود فهي فقدت صاحب اليد التي أشارت لها بالخروج، و الموتى لا يعودون إلى الحياة حتى تتغير الأقدار.” 

“لن تتغير الأقدار فالموتى لا يعودون إلى الحياة.” بقيت أكرر العبارة في نفسي.

قد لا يعود الموتى إلى الحياة و لكن قد يتمكن من تبقى من الأحياء عدم الموت، عندئذ قد تتغير الأقدار، لكن  كيف يمكن للأحياء ألا يموتوا في الحروب الأهلية؟ كيف لهم أن ينجوا مئة بالمئة في بلد تتهدد فيه حياتهم في كل ثانية؟ قرأت في مكان ما أن النينجا البارع يجب أن يكون كالظل خفيفاً و رشيقاً حتى لا يشعر به الأعداء، فحياته تعتمد على هذا. هذا هو الحل سأتحول إلى نينجا و لكن من دون الحاجة المصيرية إلى التخفي. سيكون علي ايداع أجزاء جسدي في مكان آمن، فأنا لن أكون مرتاحاً و لن أشعر بالأمان و أنا أحمل جلدي و أطرافي و رأسي معي أينما ذهبت و أعرضهم للخطر. سيتعين عليّ ايداعهم في أمكنة آمنة حتى تنتهي الحرب. 

غداً سأفكر بطريقة لتحقيق خطتي. شعرت بحمل ثقيل ينزاح و ربما ابتسمت قليلاً. لم أعد أذكر. نمت بعمق تلك الليلة دون كوابيس و لا نوبات هلع. نوم فارغ و مريح رغم أصوات صفارات الإسعاف في الشارع و الرصاص المتبادل بغزارة ليلتها. 

 

3

 ليما و الجلد 

 بينما كنت أتوجه إلى بيتي بعد العمل و قد قررت أن أجلس و أفكر ملياً بطريقة لتحقيق خطتي. رأيت أحد باعة الرصيف يحك يده بشدة و يتجادل مع زبونة. بدا لي أن بائع رصيف عادي سيمتلك جلداً خشناً و مرئياً كالرصيف الذي يعمل عليه، بينما بائع رصيف نازح سيمتلك جلداً أكثر فجاجة بل سيكون جلداً ملحاحاً و قلقاً جداً لدرجة دفع صاحبه إلى حكه بكل هستيرية.  “الجلد هو النواة” و النواة هي ليما. 

رأيت  ليما للمرة الأولى عندما كنت جالساً مع  صديقي ر. ج في أحد المقاهي نتجادل بحميّة حول أمر لم أعد أذكره. كنت أجادل بقوة و بدا أن صديقي سأم النقاش و أخذ يراقب الباب. 

” ليما، هنا” صرخ باتجاه الباب.

التفت ورأيتها. كانت صبية في أواخر عشرينياتها، متوسطة القامة و ممتلئة بعض الشي. لوهلة و من بعيد لن تلحظ أي شيء مميز فيها سوى مشيتها الصبيانية و السريعة قليلاً. و لكن عندما أخذت بالاقتراب كانت تتغير و كأنها تخترق مجالاً جديداً في كل خطوة. كنت مذهولاً كمن يراقب ظاهرة طبيعية أمامه و لشدة ذهولي أخذت أنظر نحوها كالأبله.

” صديقي المدهوش أبداً أسعد”، قدمني صديقي إليها ضاحكاً.

” تشرفت”، ابتسمت و أدارت وجهها نحو صديقي. كنت ضائعاً، كنت أريدها أن تتحرك و لكنها توقفت كتمثال. أثار استغرابي انتقالها من حالة الحركة الحيّة جداً إلى حالة الجمود التام. 

” إلى أين تركضين مستعجلة؟” سألها صديقي غامزاً.

” مسافرة” ابتسمت.

” أين حقيبة السفر؟” تطلع صديقي حولها كمحقق.

” لا أحمل حقائب سفر. فأنا ألبس كل ما سأحتاجه.” قالت و كأنها تردد لازمة موسيقية. 

ضحكا و تابعا حديثاً قصيراً ثم انصرفت.

لم ألتقِ  بها مجدداً حتى الخامس والعشرين من تموز ذلك العام و ذلك أثناء معرض للصور الضوئية في دمشق. كانت ترتدي وقتها قميصاً صيفياً بلون الكريما و للوهلة الأولى اختلط لون جلدها بلون القميص . عرفتها من مشيتها الغريبة. اقتربت منها بحذر حتى أصبحنا جنباً لجنب نتأمل صورة حذاء مثقوب من الأمام و أصابع قدم ما ناتئة من الثقب. 

” مرحبا ” قلت ماداً يدي. لا أعرف لما مددت يدي أسلم عليها. شعرت وقتها أنه من الضروري أن أتأكد أنها حقيقية.

” أهلاً” أجابت و لكن دون أن تتذكرني.

” أنا أسعد”

“…………..”

” صديق ر. ج التقينا في المقهى منذ بضعة أشهر.”

” تذكرتك” ابتسمت و اعتذرت لأنها لم تتذكرني.

كانت الساعة آنذاك السابعة مساءً من يوم السبت. عدت إلى بيت صديقي في قدسيا الساعة الرابعة فجراً يوم الأحد، لقد مشينا سوياً في شوارع دمشق طوال عشرة ساعات نتحدث. حصل الأمر بكل عفوية و تلقائية من دون مقدمات أو حركات بهلوانية. و هكذا دخلت ليما إلى حياتي و بدأت أشعر من وقتها بشيء غريب ينمو تحت جلدي.  

 سألتها في إحدى المرات مازحاً: ” ليما؟ أي نوع من الأسماء هذا؟”

ضحكت و أجابت: “من النوع الذي يليق بأحد يسمى أسعد و هو ليس بشخص سعيد.”

ضحكنا كثيراً.

كانت ليما أول من أيقظ وعي بحقيقة أنني متعب. أنا نفسي لم أعرف أنني متعب حتى أتت و رأيت من خلالها كيف يكون الناس الأصحاء. كانت واعية بكل حركة من حركات جسمها و منسجمة معها دون اصطناع. حتى عندما كنا مع بعض كحبيبين كانت تتفاعل مع وتيرة حركتي القلقة بأناة و لم تكن لتتوتر. 

” أنت ترفض جلدك الأصلي و لهذا أنت متعب.” 

سألتها عما عنته بهذا الكلام و لكنها رفضت على الدوام شرح الأمر.

” ستعرف لوحدك.”

و الآن عرفت.

 أحسست أن نجاتي ممكنة فيما لو لم أشعر بجلدي الحقيقي، فيما لو لم أعد أملكه. نعم. سأرتاح إن تخليت عن جلدي.

هاتف يرن.. مرة.. اثنتين.. ثلاثة

“هلوو”

“مرحبا ليما”

“أسعد!”

“نعم.”

“أهلا.. كيف أنت؟” بدت قلقة.

” كيف أنتِ؟”

” تجيبني بسؤال!! لا بد أنك في وضع مزرٍ. مالأمر؟”

” كل شيء.”

” أعلم أن الأوضاع تسوء…”

” ليس هذا ما يقلقني.” قاطعتها بشيء من الفظاظة و كأنني لا أريدها أن تتلفظ بكلمة تشير إلى ما يحدث هنا.

” ما بك؟”

” جلدي” أجبتها دون صبر على الاتيان بأي مناورات حديث لبقة. 

“…….”

” جلدي يا ليما..أنا خائف على جلدي! أشعر بأنني عاجز عن حمايته من احتمالات السلخ و الجلد و التفسخ من جراء ما يحدث هنا. أشعر بأنني عاجز عن حمله معي عندما أمشي في الشارع، خاصة وقت الازدحام. فالناس الخائفون و المسرعون يرتطمون بي و أشعر بأجزاء جلدي التي احتكت بهم تئنّ و تتقرح. ليلاً يسوء الأمر و أرى كوابيساً عن أشخاص يمسكون بي و يكشطون جلدي كالخروف. أنا خائف جداً. صرت أتجنب الشوارع المزدحمة و لكن لم أستفد كثيراً. هناك دوماً من يريد تذكيري بوجود الموت و الحرب و التشرد و الفقر و المآسي و يتمسح بي عمداً حتى لا أنسى. أنا خائف.”

” فلتهداً… أخبرني المزيد.”

” أخبرك ماذا؟ أنا تعب جداً و خائف أكثر. منذ فترة ليست ببعيدة كنت أسير في الشارع ولاحقني العديد من الشحاذين ممن فرّختهم الحرب. رمقتهم بنظرة ” ابتعدوا عني أنا بلا حول أكثر منكم”. ابتعدوا تدريجياً إلا طفلة صغيرة أصرّت على اللحاق بي، كدت أضربها حقاً لولا لم تكن طفلة، و رغم تهديدي لها بقبضتي لم تكف عن السير خلفي و استجدائي، لكن بعد مسافة لا بأس بها يبدو أنها استسلمت و لكن لم تكن لتستسلم دونما ثمن و هذا الثمن يجب أن أدفعه أنا. اقتربت مني جداً و وكزتني بإصبعها بقوة و في عمق ظهري و هربت بأقصى سرعة. أحسست بألم شديد شلًّني و لم أستطع الإلتفات إلى الوراء للحاق بها أو حتى الصراخ. ما هو حجم الألم الذي قد تحدثه اصبع طفلة صغيرة في ظهر رجل بالغ مثلي؟ لا شيء. نعم لا شيء. و لكن الألم كان عظيماً! آلمني أنها لمستني. نعم لقد لمستني و بلمستها تمكنت الحرب من النفاذ إلى جلدي و اختراقي. كيف لم أفكر بأن طفلة صغيرة امتهنت الاستجداء مؤخراً قد تكون على هذا القدر من الإصرار! طوال ذلك النهار و الليل كنت أشعر بحفرة تكبر في ظهري. لم أستطع النوم منذ تلك الليلة.”

” أسعد ما بك؟ يبدو لي أنكَ بدأت تفقد قواك العقلية. ما هذا الكلام؟”

” لست مجنوناً يا ليما. أنا عاقل جداً وسط هذا الجنون. أنا خائف بالقدر المناسب و المتناسب مع ما هو حقيقي. أنا لا أبالغ. أنا خائف لأنني أريد أن أحيا. أريد أن أغفل عن فكرة الموت. أريد أن أتوهم استمراريتي و ديمومتي و أفتعل مشكلة مع جاري دون أن أفكر ولو لحظة أننا قد نموت بأي لحظة جراء قذيفة أو رصاصة عدوة أو صديقة.”

” أسعد..قلبي معك.” قالتها بكل رقة  و لكني لم أسمعها.

” أريد أن أطمئن إلى أن جلدي، على الأقل بخير، قد أستطيع وقتها المضي إلى الأمام قليلاً. قد أستطيع أن أنام غافلاً. هل تتذكرين ما قلته لي في السابق: ”  أنت ترفض جلدك الأصلي و لهذا أنت متعب.” أنت تعرفين جلدي الحقيقي و أنت الأقدر على مساعدتي.”

” مساعدتك…كيف؟”

” أريدك أن تحتفظي لي بجلدي.”

” ماذا؟” باستغراب.

” أجل أريدك أن تأخذي جلدي و تحتفظي به حتى تنتهي الحرب. لن أتمكن من حمايته لوحدي. أريد أن تقولي لي:  أسعد أنا أحتفظ بجلدك في صندوق خشبي في درج مكتبي المراقب بالكاميرات  حيث أعمل في كانبيرا. و سأعيده لك عندما أتأكد أن الحرب انتهت تماماً. أريدك أن تقولي لي هذا.”

” أسعد…” قالتها و كأنها تتنهد.

” ليما…هل تذكرين ما قلته لصديقي ر. ج عندما رأيتك للمرة الأولى في المقهى و سألك عن حقيبة سفرك. قلت له وقتها أنا ألبس كل ما سأحتاجه للسفر. أتعرفين؟ لست بحاجة إلى تبرير للقيام بهذا. التبرير حقيبة سفر و أنت لا تحبين حقائب سفر.”

” حسنا سأقوم بالأمر..”

” شكرا لك.” كنت ممتناً لها بشدة.

” أسعد…” ترددت للحظات قصيرة.” أسعد..” قالتها بحزم أكبر و كأنها أمسكت بحزام بنطالها  و قررت القفز. ” أنا أحتفظ بجلدك في صندوق خشبي في درج مكتبي المراقب بالكاميرات  حيث أعمل في كانبيرا. و سأعيده لك عندما أتأكد أن الحرب انتهت تماماً.”

” شكراً لك.” قلتها بكل أناة حتى لا تبدو رتيبة و لأنني بدأت أشعر ببعض الخفة أيضاً. 

4

الأستاذ سلوان الراسي و الأطراف 

لا أعلم كيف أصف شعور المشي من دون جلد. إنه شعور خيالي. أشبه بذلك الشعور الذي تشعرونه في يوم يقع بين نهاية الشتاء و بداية ربيع حار بعض الشي حيث تضطرون إلى تخفيف الثياب. تشعرون بأنكم أخف و أن جلدكم أصبح أكثر حساسية لأدق التغيرات الحرارية، لكن رغم ذلك الانتقال بين الحرارة و البرودة اللاذعة قليلا يمنعكم ذلك الشعور الخارق بخفة لذيذة من محاولة تدفئة أنفسكم. أجل هذا ما شعرت به في الأيام التي تلت التخلي عن جلدي، أمشي بكل لطف و هدوء. كنت مستمتعاً بل و إلى حد الاستعراض قليلاً. و بينما أنظر حولي إلى الناس الخائفة على “جلدها” التي تحاول اللحاق بالباصات أو بسيارات الأجرة لتهرب من احتمالات التشظي، كنت أمشي بلا مبالاة بل و تفلت مني أحياناً ابتسامة. أنا الآن مطمئن على جلدي فهو في صندوق خشبي في درج مكتب مراقب بالكاميرات في كانبيرا. لن يتشظى.. لن يتفسخ.. لن يُسلخ…لن يصبح أشلاء. في كانبيرا لا يوجد حرب أهلية و لا عبوات متفجرة و لا انتحاريون و لا رصاص صديق و لا رصاص عدو. كان وجودي في الشارع لا يختلف عن وجود كيس متطاير. كنت “أشعر” بأنني شفيف جداً. و لولا ارتطامي في بعض الأحيان بأحدهم ما كنت لأحس بأي شيء. كان هذا ما أردته بالضبط. و ما أردته بالضبط اكتمل بعد عدة أسابيع. صرت أرتطم بالناس أو الأشياء من دون أن أحس بأني ارتطمت بشيء. و لولا بقع الرضوض الداكنة التي ألمحها عندما أبدل ثيابي ما كنت لأعرف أبداً. هذا ما أردته بالضبط . أردت أن “أشعر” بأني ظل، كائن غير مرئي. فهذا هو شعور أي نينجا عتيد، و ساحر تحت عباءة إخفاء و كل حشرة عصوية على غصن في محيط يهدد البقاء.

كان التخلي عن جلدي الجزء الأول من هدفي . في الجزء التالي كان علي أن أودع أطرافي في مكان آمن.

في بداية الثمانينات اعتقل الأستاذ سلوان الراسي بتهمة الانتماء إلى حزب ممنوع. تم التحقيق معه لشهرين تعرض خلالهما للتعذيب، ثمّ قُدم للمحاكمة و حكم عليه بعشر سنين. تعرفت عليه بداية عام الألفين أثناء جلسة مع بعض الأصدقاء. أصبحنا فيما بعد مقربين جداً و منذ ذلك الحين كان الأستاذ سلوان الراسي و صديقي ر.ج أصدقائي الوحيدين في هذه المدينة. أناديه الأستاذ سلوان ليس احتراماً لكبر عمره فقط بل لأنه معلم حقيقي. كنت أزوره أسبوعياً في معتزله الذي بناه بعد خروجه من السجن و نقوم بأشياء كثيرة فنتجول سيراً على الأقدام في الغابة الصغيرة حول بيته نبحث فيها عن أعشاب تؤكل، أو  نقوم بزراعة الخضروات في حديقته المتواضعة أو نصلح السياج.  

” الحياة قاسية على المكتبات المتجولة” قال لي مرة بلهجة تأنيبية بينما كنت أناوله بذور الخيار و أحاول جره إلى حديث فكري.

 ” الحياة دمك، إن توقف عن الجريان في أطرافك لا معنى لك .” يتابع المشي و العصا بيده. كنت أتبعه و أشعر نحوه بحنو شديد. توقفت من بعد هذا عن الحديث بأي موضوع فكري مهما صغر شأنه، فقد أدركت، ببديهة مُرّيد، أن الكلمة الأخيرة في هذا الموضوع قد قيلت.  

أخبرني ذات ليلة و بعد يوم حافل بكثير من العمل عن التجربة الغريبة والصادمة التي مرّ بها أثناء فترة التعذيب. كان يتكلم عنها بألم ممزوج بكثير من الرزانة.

” عندما نزعوا الظفر الأول كان الألم مبرحاً و على أثره أغمي علي. أيقظوني حتى يكملوا تعذيبهم، و عندما استيقظت تملكني شعور غريب، شعرت بضخامة غريبة في اصبعي الذي كان ينز دماً. شعرت أن أبعاده مشوشة وعجزت عن الإحساس بحدوده. كان شعوري بانتفاخه و الخدر الذي بدأ يسري منه و حتى معصمي مفاجئاً.  لن أنسى تلك اللحظة ما حييت. أعجز أحياناً عن التفكير بها و لذلك لا يمكنني التعبير عنها كما يجب. كل ما يمكنني قوله : الحياة دمك، إن توقف دمك عن الجريان في أطرافك لا معنى لك. لا تنسَ ذلك.”

كان الأستاذ سلون الراسي مليئاً بالحياة رغم دخوله عقده السادس وحقيقة أنه سجين سابق تعرض لتعذيب شديد. 

” انظر إلى حبة الفول النامية. ماذا ترى؟”

” حبة فول نامية” قلت مازحاً.

ابتسم.

” هذه حبة فول مُتألمة” قال برصانة و بكثير من الجدية. “حبة فول مُتألمة لأنها واعية بوجود شيء ينمو منها. لكن إن لم تتوفر شروط ملائمة لاستمرار نمو هذا الطرف سيموت و سيتوقف شعور حبة الفول وقتها بالألم، ستدخل طور النوم حتى تتوافر شروط مناسبة مرة أخرى تساعد على نمو طرف جديد.”

ابتسمت لمحاولته السحرية شرح سيرورة الأمور.

” نيسان أقسى الشهور” قلت مازحاً.

“إليوت” قالها بابتسامة مقتضبة و استطرد:

” يعرف إليوت تماماً حقيقة الحياة و لهذا يرى أن الربيع، على عكس ما ينسبه إليه الرومانسيون، فصل قاسٍ. إنه فصل النمو و الخروج و الوعي بذلك، لهذا الألم مضاعف: ألم الولادة و ألم الوعي بها. لكن لا تنسَ ما أقوله لك دوماً: الحياة دمك، إن توقف دمك عن الجريان في أطرافك لا معنى لك!” اختتم الحديث و غاب بين شتلات الفول النابتة.

5

كان يوماً غائماً بعض الشيء و كان قد مضى على آخر زيارة لي للأستاذ سلوان ستة أسابيع بالضبط. استقبلني الأستاذ سلوان بعجلة و من دون سؤال عن سبب غيابي. لم أستغرب ذلك أبداً. كان يجب أن يهتم ببعض الأمور قبل مجيء العاصفة. أخبرني أن انتظره في البيت. 

” ستكون عاصفة قوية.” قال و هو يدخل.

“…………….”

” أتشرب الشاي؟” 

” لا.”

نظر نحوي و أدرك أن هناك خطباً ما.

” ماذا هناك؟ لا تبدو على طبيعتك؟” 

” يداي و قدماي.”

” ما خطبهما؟”

” في خطر.”

تفرّس بوجهي و كأنه ينظر إلى مجنون.

” خطر!”

” نعم.”

” ما نوع الخطر؟” سأل بحذر.

” خطر التحول إلى أشلاء.” أجبت كمن يجيب على سؤال بديهي.

” هل هناك أحد يهددك؟”

” لا… و لكن لم يعد السير في الشوارع آمناً.”

” حسناً…و لكن أين الخطر فأنت تعيش في مدينة هادئة نسبياً؟”

” أعلم و لأنها “هادئة نسبياً” أنا خائف أكثر. هل تتذكر ما كنت تقوله لي: “الحياة دمك، إن توقف عن الجريان في أطرافك فلا معنى لوجودك”. و أنا لن يكون لي أي معنى فيما لو فقدت طرفاً من أطرافي.”

” يبدو أن الأمر جدي.” 

” كثيراً و أنت الوحيد الذي بإمكانه مساعدتي.” 

” الوحيد! ألست تبالغ قليلاً؟”

” أنت الوحيد الذي بإمكانه مساعدتي.” كررت بثقة.

” كيف بإمكاني مساعدتك؟”

” هل تتذكر كيس حبات الفول التي تضعه في العليّة، و تخبئ فيه أفضل حبات الفول في الموسم من أجل محصول العام المقبل؟”

” نعم أتذكره. خبأناه سوياً هذا العام.”

” أريد منك أن تقول لي: أسعد سآخذ يديك بأصابعهما العشرة و قدميك بأصابعهما العشرة و أضعهما في كيس حبات الفول المخبأ في العلية بعيداً عن الأنظار. سأخبئهما لك حتى تنتهي الحرب و تصبح قادراً على المشي في الشارع دون احتمال تحولهم إلى أشلاء.”

مرة أخرى تفرّس في وجهي و كأنني مجنون.

” لا بد أنك فقدت عقلك!”

” أنا عاقل جداً. أنا واثق من أنني سأعيش بشكل أفضل فيما لو توقف خوفي على أطرافي. أنا عاقل جداً لأنني أريد أن أنجو من هذه الحرب قطعة كاملة. أنا عاقل لأنني أحمي نفسي كما يجب. قد يبدو لك هذا جنوناً، لكن أنا، كحبة الفول، أتألم بشدة لأني واعٍ بوجود أطرافي. و إن تمكنت من إيداعهم في مكان آمن لن أعي وجودهم و بذلك لن أخاف أبداً. سأمشي و أنا واثق من أنهم في مكان آمن.”

” ألهذه الدرجة؟”

” أجل و أكثر. قد أخسر أطرافي في حادث تفجير، هذا احتمال وارد جداً، و لكن معنى أطرافي سيبقى آمناً في كيس الفول في العليّة.”

سكت الأستاذ سلوان لبضع دقائق.

” تذكرني بنفسي كثيراً عندما كنت مسجوناً و تحت التعذيب. أعلم جيداً ماهية شعورك. لو خطر ببالي أن أفعل ما تطلب مني أن أفعله معك ربما ما كنت لأخسر الإحساس بأصابعي.”

تنّهد بعمق، و سكت لدقائق حسبتها دهراً.

” أسعد.” قال بصوت حنون.” يا ولدي”. كدت أبكي.” سآخذ يديك بأصابعهما العشرة و قدميك بأصابعهما العشرة و أضعهما في كيس حبات الفول المخبأ في العلية بعيداً عن الأنظار. سأخبئهما لك حتى تنتهي الحرب و تصبح قادراً على المشي في الشارع دون احتمال تحولهم إلى أشلاء.”

شكرته دامع العينين.

ابتسم بحزن و تابع طريقه نحو المطبخ ليعد الشاي فالجو أخذ يبرد قليلاً منذراً بليلة عاصفة جداً.

6

صديقي ر. ج و الرأس 

وقف الأستاذ سلوان عند بوابة بيته، لوح مودعاً و باليد الأخرى ضغط على فخذ رجله بعصبية. كنت أعلم أنه حزين جداً لاعتقاده بأني فقدت عقلي. أدار ظهره قبل سماعه وداعي له و توجه نحو حقل الخضار بلا عجل. لا شيء يدعو للعجلة. يتعجل الهاربون و المذنبون و الخائفون. هو لم يكن منهم يوماً و أنا لم أعد منهم أبداً.  

كنت ريحاً من دون جلد و لا أطراف… كنت غيمة…. كنت نهراً…كنت بكل تأكيد حراً و حياً جداً. كنت أشعر بخفة متزايدة في كل حركة. للوتد قيمة كبرى، و أنا لدي حتى الآن وتدين يشدانني إلى الحياة، ليما و الأستاذ سلوان الراسي. بقي أمامي وتد أخير حتى أحقق المطلق. إنه الوتد الأول والأهم، ولكن الحصول عليه لن يكون بالأمر السهل. وليس هناك في هذه المدينة المرعبة “بهدوئها النسبي” سوى إنسان وحيد متبقٍ قادر على أن يكون ذلك الوتد. 

بعد حادث تفجير القزاز كما ذكرت سابقاً تغير صديقي ر. ج كثيراً. لم نعد نلتقي كثيراً كما كنا، أصبح يتجنب كل الناس و حتى عائلته. كان يقضي معظم وقته في زيارة ضحايا التفجيرات أينما وقعت. يذهب إلى المشافي و البيوت، لا أعرف ما الذي يفعله معهم و لكني متأكد أنه لم “يفقد عقله” كما يقول عنه الناس. أنا متأكد أن صديقي بكامل قواه العقلية و لكن الحرب اخترقته بأكثر الأشكال وحشية: برأس متطاير، وأعتقد أيضاً أن زياراته لضحايا التفجيرات عمل شجاع لن يُقدم عليه إلا شخص استثنائي. و بسبب هذا كله اخترته ليكون الوتد الأخير و الوتد الأهم.

هاتفته البارحة و اتفقنا أن نلتقي في مقهانا القديم. و أنا الآن أنتظره.

كنت أراقب الباب بقلق و ارتحت عندما رأيته يدخل.

” مرحباً.” قالها بصوت منخفض و أخذ كرسياً.

“أهلاً.. كيف أنت؟”

” عذرا تأخرت قليلاً فقد كنت أزور رجلاً قطعت ساقه في القذيفة التي سقطت البارحة وسط المدينة.”

لم أكرر سؤالي عن أحواله و تابع حديثه عن ذلك الرجل. شعرت بكثير من الحزن و أحسست بخطر يتهددني فيما لو سمحت له بالحديث أكثر عن المآسي التي رآها.

” أريد منك معروفاً.” غامرت بمقاطعته.

نظر إلي مباشرة و بشيء من المفاجأة.

” معروفاً؟” 

” أجل.” أجبت و كأني أقرّ بذنب. لا أعرف لما أحسست أن طلب معروف منه  يشبه تناول قطعة حلوى أمام طفل جائع. 

” ما هو المعروف؟” 

لم أتكلم و أخذت وقتي أفكر بالعبارة المناسبة.

” هل بإمكانك الاحتفاظ برأسي؟” سألت على مهل و دون تردد.

نظر نحوي نظرة لم أفهمها و أشاح بنظره بعيداً عني.

لم نتكلم لما يقارب الربع ساعة. كان الموقف مربكاً و بدأت أشعر بالندم.

” هل تتذكر ذلك الرجل الذي أخبرتك عنه؟”

” أي رجل؟” فرحت لأنه تكلم أخيراً.

” الرجل الذي فقد رأسه في تفجير القزاز.”

” طبعاً أتذكره.”

” هل تعلم أنّه كان بلا عائلة و لا أقارب. كان يعيش لوحده.”

” حقاً!”

” أنا أعلم أنني الشخص الوحيد القريب إليك.”

لم أتكلم و تركته يتابع.

” ماذا تريد مني أن أفعل بالضبط؟” سأل باهتمام واضح.

كنت متفاجئاً. فاجأني أنه عرف ما يجول بذهني مباشرة. كنت سعيداً لأنني عرفت الآن أنني اخترت الشخص المناسب…عرفت الآن أنني في أمان.

” أريدك أن تحتفظ لي برأسي.” 

” حسناً. كيف؟” سأل من دون نفاد صبر.

” أريد أن تقول لي: أسعد. أنا أحتفظ برأسك في مكان آمن قرب سريري. و قبل أن أنام كل ليلة سأتأكد من وجوده. سيكون بعيداً عن متناول أحد، و في حال قررت الخروج إلى أي مكان، سأحمله معي، في جيب قميصي تحت معطفي حيث أحتفظ بأوراقي الثبوتية.”  

بضع دقائق من الصمت مرت ببطء.

” أسعد.. كنت ولا زلت صديقي العزيز، و لأني أهتم لأمرك و بسلامتك سآخذ رأسك و أحتفظ به في مكان آمن قرب سريري. سأتأكد من أنه موجود كل ليلة قبل أن أنام، وسيكون بعيداً عن متناول أي أحد. و في حال قررت الخروج إلى أي مكان، سأحمله معي، في جيب قميصي تحت معطفي حيث أحتفظ بأوراقي الثبوتية.”

تنهدت بعمق. 

لم أشكره. نظر نحوي و ابتسم كمن يبتسم لطفل نجح في تعلم السباحة.

” يمكنك الآن أن تنجو.” قالها و نهض مغادراً من دون وداع.

كنت قد غرقت في موجة من الخدر الغريب و لم أتمكن من وداعه أو حتى الإتيان بأي ردة فعل على جملته الأخيرة.

” يمكنك الآن أن تنجو.” كررتها  لنفسي طويلاً و كثيراً.

7

حياة الظل

مضت ثلاثة شهور على حياتي من دون جلد و أطراف و رأس. مضت ثلاثة شهور على آخر مرة أصبت فيها بالأرق، فأنا الآن أنام كالأطفال و من دون كوابيس. مضت ثلاثة شهور على آخر مرة شعرت فيها بالخوف و لم أصب منذئذ بأي نوبة هلع. منذ ثلاثة شهور و حتى الآن أعيش بكل خفة و حرية و أمان. أمشي في شوارع وعند تقاطعات وأتجاوز حواجز و أدخل مباني كنت أرتعد من قبل من مجرد فكرة المرور بجانبها. أمشي الآن و أنا مرتاح وهادئ، حولي يركض بشر من جميع الأعمار والأجناس بجلود وأطراف ورؤوس متاحة لاحتمال التشظي. أما أنا فجلدي وأطرافي ورأسي في أمكنة آمنة. لا أعلم متى ستنتهي الحرب، لكن أعلم أنني لم أعد أهتم. توقفت عن الاهتمام. الحرب قريبة مني جداً، لكنها بعيدة عن اختراقي كل البعد. 

لا أعلم ما الذي يشعر به النينجا عندما لا يكون في مهمة، لكن لا بد أنه يتابع حياته اليومية كنينجا. ينهض من فراشه على رؤوس أصابعه و يتناول افطاراً بسيطا ويختفي ثم يعود على حين غرة و كأنه في مهمة. و أنا صرت أعيش حياتي اليومية كالنينجا، أنهض على رؤوس أصابعي فأنا لا أشعر بهما وأتناول فطوراً بسيطاً وصغيراً فأنا لا أحتاج سوى القليل حتى يبقى قلبي على قيد الحياة، أذهب إلى العمل و أتجنب أي نوع من الرفاه الاجتماعي هناك و أكتفي بالكلام عند الضرورة. أعمل كثيرا و أعود إلى البيت تعباً، و أنام من دون كوابيس أو حتى أحلام. هذه هي حياتي منذ ثلاثة شهور: خفيفة حتى العدم و ذات معنى كاف لإنسان في بلد منكوب. إنه عيش كالظل بنبض بطيء قابل للعودة إلى طبيعته عند انتهاء شرط الخطر. إنه تنفس هادئ و مسترخٍ لإنسان يجلس على صخرة متأرجحة. إنه عيش واعٍ بأقوى رغبة بالنجاة و الحياة.

و لأني بلا جلد، لم أعد أشعر بأي شيء يلمسني، ولأني بلا أطراف توقفت عن الشعور بالأشياء و لأني بلا رأس توقفت عن القلق و الحزن. وعوضاً عن الغرق بدأت أطفو كخشبة حتى عندما أكون بين غرقى الحرب حولي. لم يبلبلني وجودهم أو ألفاظ المأساة التي يتبادلوها. كنت أشاهد تعابير الدهشة على وجوههم عندما لا أنفعل لأي شيء، و أسمعهم مرارا يكررون غامزين لبعض: لقد أتى الحائط، ولا أشعر بشيء. لا أشعر برغبة في إثبات العكس، ولا رغبة في الإبتسام على جهلهم، ولا رغبة في الدخول في حديث معهم مهما بدا ضروريا. لم أشعر بأي اندفاع للإتيان بأي شيء وهذا أقصى ما تمنيته. 

نعم عندما يقرر الأحياء في بلد تطحنه حرب أهلية ألا يموتوا تتغير الأقدار. لقد تغير قدري. كان قدري أن أستمر في الخسارات، الواحدة تلو الأخرى، حتى أخسر حياتي في النهاية. لكنني قطعت الطريق على هذه السيرورة. لا تملك الكائنات الشفافة و الأشياء الطافية شيئاً تخاف عليه حتى تنكشف للأعداء أو تغرق و أنا الآن، أسوة بها، لم أعد خائفاً و لذلك لم أخسر منذ أصبحت مثلها شفيفاً و طافياً. لم يعد لدي شيء أخاف عليه وبالتالي لن أخسر. أنا من كل بد غير ميت بل و إلى حد ما أنا حيّ بشكل من الأشكال. أنا حيّ بجهدي و رغبتي العنيدة بالحياة. وإن أتى زمن وانتهت الحرب فيه سأجمع قطع جسدي مجدداً و أعود كتلة واحدة بمعنى كامل ومن دون وجود خطر يتهدد هذه الوحدة أو يلوح بخسارة جزء مهما كان صغيراً…مهما كان صغيراً.

_____________________________

كاتبة ومترجمة من سورية

الصورة للفوتوغرافي التشيلي سيرجيو لاراين Sergio Larrain

*****

خاص بأوكسجين


كاتبة ومترجمة من سورية. من ترجماتها:"شاركني هذا الفالس"" زيلدا فيتزجرالد (2018)، و ّديانا - سيرة متخيلة"" ديانا كليهاني (2018)"