والديكوباج هو مصطلح فرنسي يطلق على آخر مرحلة في عملية كتابة نص السيناريو، وهي المرحلة التي يعدها مخرج الفيلم بالاشتراك غالباً مع مدير التصوير ومهندس الديكور والمناظر لتعتمد في مرحلة إخراج الفيلم.
نستطيع أن نؤكد مرة أخرى على أن العملية الفنية ترتكن إلى مرحلتين في الكتابة، مرحلة كتابة النص الأدبي من قبل السيناريست، ومرحلة كتابة نص التصوير من قبل المخرج. لأن كتابة السناريو الأدبي في المرحلة الأولى هي كتابة ما قبل “فيلمية” ونظراً لطبيعتها الأدبية فإنها من المستحيل أن تكون منطلقاً لتصوير الفيلم. إنما يجب ترجمتها إلى كتابة “فيلمية”. عندئذ ينتقل الدور القيادي إلى المخرج.
ويتحدد دور المخرج في مراجعة السيناريو الأدبي كله وإعداد صياغته التقنية / الفنية، التي تشتمل على كافة التفاصيل ليبدأ عندئذ العمل في الإنتاج والتصوير.
ويتم في هذه المرحلة تقسيم اللقطات والمشاهد والمقاطع ويتم تبيان طول كل لقطة منفردة وبالتالي كل مشهد إضافة إلى تثبيت كل التفاصيل الفنية والتقنية الضرورية في عملية التصوير والمونتاج. ولا يتوقف الديكوباج فقط عند التعبير عن الحوار، إنما يصف كل موقف وكل إيماءة ويبين إرشادات خاصة بتجزئة صور ولقطات المشاهد وحركة الكاميرا والمؤثرات واستخدام الموسيقا وعدد من التفاصيل التقنية. لأن الديكوباج يشكل دليل عمل وخطة تنفيذ عامة صالحة لكل فريق التصوير، تحدد فيها المهام والوظائف، التي على كل عامل في الفريق تنفيذها أكان في مجال الصورة أو الصوت.
وكما هو معتاد فالفيلم يحتوي على 80 إلى 200 مشهد، مع أن كثيراً من هذه المشاهد يمكن أن تتكرر. كل مشهد يدون في صفحة خاصة لوحده. والمشاهد تجزأ في لقطات، ويبين فيها موقع وزاوية الكاميرا. واللقطة تبدأ من زمن دوران آلة التصوير إلى وقوفها. ويتم تحديد موقع الكاميرا في كل لقطة، كما يتم إعطاء رقم لكل منظر ولكل لقطة حسب التتالي.
تسمى في الأدبيات السينمائية هذه المرحلة عملية “ترجمة” السيناريو الأدبي translation إلى الفيلم السينمائي، بوساطة الديكوباج لكن من الأفضل إبدال مصطلح الترجمة بمصطلح “تحويل” transformation ويمكن هنا الاسترشاد بوجهة نظر جوليا كريستيفا، التي ترى أن التحويل بمنزلة تنظيم للغة من لغة محددة بوساطة لغة أخرى ومن نص معين –هنا أدبي- بوساطة نص آخر –هنا فيلمي- وبالتالي لا تتشابه الدلالات الادبية-هنا كلمات- مع الدلالات البصرية- هناك صور-.
يؤكد تاركوفسكي: “عندما يتسلم المخرج نسخة من السيناريو ويشرع بالعمل عليه، سرعان ما يتضح أن ثمة تغير سيطرأ عليه لا محالة مهما كان السيناريو عميقا بفكرته ودقيقا بمعانيه. ولإن السيناريو لا يتجسد على الشاشة بشكل حرفي وانعكاسي، بل لابد أن يحدث تغير، ولهذا فإن العمل المشترك بين كاتب السيناريو والمخرج، عمل صعب تكتنفه صراعات وتنازلات، والفيلم القيم حقاً يمكن أن يتحقق أثناء العمل المشترك بين الطرفين، حيث تتداعى كل أفكارهما وتصوراتهما الأولية وتنشأ على أنقاضهما قاعدة جديدة وهيكل جديد”.
ويعترف ماركيز أيضاً، بأنه لم ير على الشاشة مطلقاً صورة فيلمية واحدة يمكنه أن يقول أنها له. ومع أنه كتب سيناريوهات عديدة، فإن ما كان يشاهده على الشاشة ليس هو على الإطلاق ما كان يتصوره ويجول بذهنه، فهو يتخيل الكادرات أو الصور بشكل يختلف عما يصنع المخرج من هذه الصور على طريقته. إن الحل المثالي، كما يعتقد ماركيز، هو أن يقوم المخرج وكاتب السيناريو بكتابة ما يسميه هو بالنسخة النهائية، التي هي نسخة الديكوباج.