الفلّة التي قطفتها بالأمس في تمام العاشرة مساء، ذابلة هي اليوم في تمام الثامنة مساء.
أتجه شمالاً وعيني على الجنوب حيث ذبلت الفلّة!
لدي خزان آمال غير محققة تصلح لأن تكون زوّادة طريق، وعدة عجزت عن إصلاح شباك مكسور، وترميم الباب المتداعي المشرع على المجهول.
هناك كثير من الواقع في هذا الكلام، مع أنني فكرت طويلاً بروبنسون كروزو، كما في كل يوم، كما في اليوم الذي نظرت فيه إلى فلّة ذابلة وممتقعة ومهزومة.
يبدو أن الجزيرة لي وحدي، والنجاة من الغرق أمر عظيم يستدعي عزلة تعيد ترتيب العالم من جديد كما فعل كروزو اللعين -أنا المسكون به أبد الدهر، وصولاً إلى الممات حين يفرز كل منا إلى جزيرة يراد له ألا يصنع قارباً فيها وأن يتخلى حتى عن قدرته على السباحة.. الموت يقطع سبل الوصول، يحيل العزلة مظهراً ثابتاً دامغاً.
أقول لنفسي: كُفّي عن التعلق بكروزو كلما تجمهروا أمامكِ، كلما تكاثر الرعاع والدهماء وما أكثرهم! لا بل إنهم يلتئمون أحياناً في فردٍ واحد، تراه ينطق ولسانه لسان حالهم، رعاع فرادى وجماعات. توقفي! توقف أنت! – أي أنا – لم يبق من جزر لا أحد فيها.. هناك جزر تحمل اسم كروزو للسياحة والاستجمام إن شئت، وهذا واقعي بحق، فكل ما نتطلع إليه في هذا الزمن يصير على هذا النحو، الجنس بواقٍ ذكري، والسُكّر من دون سُكّر، واللحم منزوع الدسم، والثورة في سبيل إعادة تعدد الزوجات والمحاكم الشرعية، والمأساة تصير ملهاة.. والفلّة تذبل قبل أن تكمل أربعاً وعشرين ساعة!