قلت إن اتخاذ الحياة على محمل الجد يسبب لك تشنجاً أليماً في عظام وجهك يتطلب منك فكها وتركيبها وأنت تواجه مرآتك صباح كل يوم، وغالباً ما تكون ناجحاً تماماً في فض تواشجها وتعاضدها على التجهم وإعادة ترتيبها وفق متطلبات البهجة والضحك، وكنت في ما مضى تتساءل: هل في ذلك خيانة للحقيقة، أم أن الحقيقة كل الحقيقة كامنة في جهدك اليومي وحرصك على ألا تستسلم للصورة التي فرضها لا تعرف من عليك؟ حسبك أنك في هذا الفعل فقط تكون بوجهين.
ثم وجدت ضالتك في السخرية، وها أنت مواظب عليها من دون أي تشنجات تذكر، تواجه مرآتك صباحاً وأنت تفرش أسنانك! لا يخلو الأمر من بعض الانتكاسات، والسخرية تدهشك بقدرتها الخارقة على التعامل مع المرارات على نحو متساو، وهي تساوي بين مجزرة وحشية وفشل علاقة عاطفية أو نزلة برد تافهة، لتتساءل وهل هذا أخلاقي؟ فتسخر من هكذا تساؤل، وأنت ترى المجازر التي لا تحصى ولا تعد من دون أن تدعوك للتعاطف العميق والراسخ مع ضحاياها ما لم تنل ممن كنت تقيم علاقة معها، أو تردي عزيزاً عليك نجى من نزلة برد، ثم إن الذاكرة الشخصية معطوبة في ظل فقدان الذاكرة الجمعية، والتاريخي لا يتجاوز ما حدث في أسبوع مضى وآخر لا يعود مع حفنة خرافات سحيقة تُجتر بقدسية.
يبدو أن السخرية راسخة بقوة المخيلة، تسعى بكل ما أوتيت إلى إلغاء الواقع وشطب ما شهدته من وقائع وأحداث جسام في شرقٍ أوطانه كرتونية، وقد ألحقت به هزيمة أخلاقية نكراء.