لم يكن الخلود مواتياً في هذه الساعة المتأخرة، كان معصوب العينين، وعلى الدمار المقابل جبهة تعلوها خطوط كثيرة مشوشة بالزمن، بالتآكل العذب وتساقط الشعر، كما القتلى لا ينفعهم حلم ولا تطلع، غير آبهين بشعراء حملوا قصائد وألقوها في عواصم رجّفوا فيها البرود بمقتلهم، ولاقوا متعاطفين لأكثر من ساعة مع قتلهم المتواصل.
بدت المشاغل الصغيرة أقدر على إطالة العمر، والانحراف صوب المتبقي من كتاب هائل لم أجهز عليه بعد، وأنا أفكر جدياً بأن أعيد قراءة كل أولئك المتجهمين الروس: دوستوفسكي وتولستوي وتورجنيف، ومن ثم الإفراط أكثر بأحمر ستاندال وأسوده، و”تريستيان شاندي” برجله المكسورة التي روّعت العالم، والقفز من جبل توماس مان السحري، والعودة بجنون إلى “مول فلاندرز” و”ربنسون كروزو” وكل ما أفكر به كلب كروزو الذي يظهر في الرواية ثم يختفي، لدرجة صرت أسمع عواءه ولا أصدق، كما هو حمار سانشو، الذي يميته سرفانتس في فصل ويعيده في آخر.
خرجوا جميعاً الآن..
يسمع في غرفتي عواء ممض، وأجهد لئلا يستيقظ نهيق حمار سانشو.. في المقهى أيضاً، في السيارة التي أجبر على قيادتها كل يوم، في المصعد، في صفحات جريدة أقلبها فإذا بالكلب من جديد ينهش الجثث.
متى تأتين ليعودوا جميعاً إلى كتبهم.