يتطلب التفكير بعنوان كتاب مالك حداد “الشقاء في خطر” تدخين المزيد من السجائر، أي إضافة المزيد على ما هو كثير في رئتي أصلاً. يا له من عنوان! يا لها من حقيقة! حتى الشقاء كان في أيامه في خطر، فكيف هو الآن؟ المآسي الآن في خطر، أعظم مأساة في الكون بمقدورها أن تصبح ملهاة إن أحيطت بهذا العدد الهائل من المهرجين. أعدل قضية يمكن أن تتحول إلى مولد حيوي للتثاؤب والشخير إن أصبح الحفاظ على جذوة هزيمتها مصلحة لهذا العدد الكبير من السفلة الذي يطفون على سطحها. عموماً كل ما يفترض أن يكون تهديداً لنا بالشقاء والبؤس والفاجعة أمسى في خطر، فما يتهددنا صار مهدداً أيضاً، وهذا على شيء من العدم، و”على وجه الغمر ظلمة”.
ربما في ذلك أيضاً فضائل جمّة، إن توافقنا على أن كل شيء بحاجة لإعادة تعريف، ابتداءً من البديهيات مثل وطن ودين وتاريخ ومقابلها هشاشة ونفاق وضلال، بما يستدعي فتح صفحة جديدة أمام رؤى وتطلعات جديدة، ولتخرج علينا جموع غفيرة كل شيء معرّف لديها ونهائي، والسذاجة والحق لديها صنوان، وهم إن رأوا بأم العين كل ما آمنوا به يتهشم أمام أعينهم فإنهم يجدونه صلداً متماسكاً إلى أبد الآبدين، وهذا يشبه في مستويات أخرى الحديث عن سياسية من دون أحزاب، وحرية من دون مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي، ويسار يراهن على الإسلامويين، ومحاربة التطرف مع تجريم المفطرين في رمضان، والتحديث بواسطة الحجامة، والتطلع إلى المستقبل عبر استحضار الأرواح، والتحليق الحر في فضاءات العبودية، والنهضة على أربع، والامتداد عبر الانبطاح، وتأصيل التمايز عبر الالتصاق بالغابر والمنقرض والمهجور.
نعم “الشقاء في خطر”، والأشقياء أشد الأخطار المحدقة بهذا الشقاء.