أسمع المطر يضرب بغزارة نافذتي، لا ألتفت إليها، ولا أتحرى صواب هكذا وهم! وهل جننت لأطالبه أن يكون صائباً؟ حين أخرج من البيت تصفعني الشمس بسياطها، مردداً لقد انتصرت الشمس على الغيوم، وأوصلت درجة الحرارة إلى أربعين، لقد خانني الطقس مجدداً وخرجتُ في اللحظة الخطأ، ولا ألوم إلا نفسي.
أقتات على الوهم. أتجنب الحنين. الأول نجاة، الثاني مقتلة، الحنين لأرض صارت المقتلة. إن وهنت عزيمتي واستسلمت للحنين أتشبث بالوهم، أجد نفسي راكضاً في شوارع ماطرة فارقتها منذ أكثر من سبع عشرة سنة، عاشقاً صاخباً لا يوقظ إلا قلبه، تتسارع دقاته، تتعالى، أصرع ما يحول بيني وبينها.
الخريف أيضاً تليق به القطارات، أستقلها، وحين أصل، دائماً ما يكون هناك خريف، في الصيف خريف، في الربيع، وهبة هواء خفيفة كفيلة يأن أجهش بالبكاء، وكل ما أراه ينحتني، والمسافرون والمارة يمشون في شراييني، ووقع خطواتي يتردد صداه في المجهول الشيّق المرتقب الأليف.
أتذكر رحلتي تلك وأنت على يميني، أسندت رأسي إلى كتفك فأدنيتني منك أكثر، كانت ذراعك قوية، وكم غالبت موجة بكاء عارمة هبطت عليّ، وحين تخللت يدك شعري انتصرت الدموع وصرت أردد في سري المقطع الأخير من قصيدتي”مدرسة”*:
لا تتذكر الآن
عُدْ إلى غرفتكَ
عليكَ أن تثقب الكون
وتتلصص على الله
تراقبه
تتعلم منه
الوحدة والانتظار
عليكَ أن تكون
أجمل من التراب لتطأه.
لا بل
أجمل من الله لتعبده.
ما من قطارات هنا! أقتات على الوهم. أتجنب الحنين.
—————–
* كتبت هذه القصيدة عام 1995 ونشرت في كتاب زياد عبدالله الأول “قبل الحبر بقليل” 2000