إلى عبدالله أدهم عبدالله
الحزن انتهازي، لا يكتفي بأن يكون حزناً فقط. يتشبث بك، ويمسي تجهماً ثم تفجعاً، ويواصل حفره الوئيد إلى أن يقوضك.
قلت لي ذلك، وأودعتَ حزني عليك أليفاً، يرأف بي فلا يباغتني ولا يلقي بثقله كاملاً عليّ، بل يرافقني، يمشي معي جنباً إلى جنب، يسبقني ظلاً، يلحق بي ظلاً أيضاً، يأخذ بيدي، ويحنو عليّ، كما لو أنك روّضته، جعلت منه قطاً أليفاً، هو الوحش الضاري بأنياب ذئب ومخالب نسر وزئير أسد.
وكان هذا من صنيعك، وما أردته حزناً أصلاً، صيّرته أسىً شفيف، غبشاً يصاحب الدموع، مدفأة في بيت تحاصره الثلوج وزجاج نافذته مكسور، وما تركت خلفك من أثر اتتبعه فأصلك، ولا حفلت بما يترك للابن عادة، وسويت بالأرض اليأس، ومحيت الحسرات، وروّعت المرتعدين الخاشعين، وحين قررت أن الوقت قد حان، ضيّقته، قننته، حوّلته مهلة تعرف بدايتها ونهايتها، وكيّلت بكفك حفنة رمل، وخلقت ساعتك الرملية، ثم تركت لذرات الزمن أن تتسرب، وقبل أن تنفد لوّحت كما فعلت مراراً، كما في تلك الوداعات في المطارات ومحطات القطار، كما هي قصيدة روبرت فروست “قطاف الورد” وأنت تقرأها عليّ مرات ومرات وأقرأها في دفاترك وبين أوراقك، وكل وداع ترددها:
ودعتك في الصباح
وفي بهاء الصباح
سرت إلى جانبي طويلاً
ليكون فراقك أكثر إيلاماً لي.
أتعرفيني في العشايا
كئيباً غبّرني السفر؟
وهل أنت بكماء لأنك تجهلين
أم لأنك تعرفين؟
لي هذا كلّه؟ ولا سؤال
للورود البهيجة الباهتة
وهي تستطيع أن تخطفني بعيداً عنك
ليومٍ كأنه الدهر؟
إنها لك، فاحرصي عليها
بقدر قيمتها عندك –
بقدر الهنيهة التي كنتها من زمانٍ بعيد.