تشكل مناهضة الوصفات الجاهزة في الفن والإبداع عاملاً أساسياً في البنية التي تأسست عليها أوكسجين، وهي آتية من إيمان عميق بأن كل فعل إبداعي حقيقي هو فعل تجريبي بالضرورة، يحتمل النجاح أو الفشل، بينما يشكّل انعدام هذا السعي إلى اللا فن واللا إبداع، وبالتالي الارتهان لما هو معلّب واختبار مساحات توهم بالاتساع وهي أضيق من زنزانة.
تتطلب هذه المناهضة في زمن الانحطاط عناداً أكبر، ونحن نشهد تفشي تلك الوصفات الجاهزة على نحو لا سابق له مع ما عرف بالربيع العربي وتفشي التعريفات الجاهزة للأحداث المتدافعة والمتلاحقة التي عصفت بنا على نحو لا سابق له في التاريخ الحديث، وتسيد مقاربات الأحداث والوقائع عبر مصطلحات جاهزة يرمى بها خبط عشواء متأسسة أولاً وأخيراً على الثنائيات الساذجة: أبيض/أسود خير/شر وتحول المثقف أو مدّعي الثقافة إلى القطيعية أو الغوغائية كون تبني ذلك هو الباب الوحيد المتاح أمامه ليكون مسموعاً وهو يلبي “ما يطلبه الجمهور” مع عمله الدؤوب على الغرائز والتحلي بكل ما هو انفعالي وآني، وحصر النقدية بما أمسى مفضوحاً ممرغاً محتقراً إلى ما لا نهاية.
إن ما تقدّم يشير أولاً وأخيراً إلى مأزق معرفي كبير، فمن يلجأ إلى الجاهز والمعدّ لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مثقفاً بالمعنى العميق للكلمة، وإن كل انغماس في تنظير وتحليل ما نشهده منذ أكثر من خمس سنوات يخلو من المعرفة التاريخية والسياسية والاقتصادية هو مراهقة فكرية واستمناء تبشيري قادر فقط على تحويل العادة السرية إلى عادة علنية في فضاءات افتراضية.
تواصل أوكسجين مناهضة الوصفات الجاهزة بينما يراد من الفعل الثقافي أن يكون متلقفاً لكل ما هو جاهز ومعلب ومن ثم إعادة تدويره وترويجه، حسبها أنها تؤمن بالجديد والمتجدد رغم كل هذا النكوص الوحشي.